نحو فهم أعمق لمعوقات التحول الديمقراطي في السودان

(تحليل) 

محمد غلامابي

 

تتناول هذه المقالة جملة من المعوقات التي تحول دون تحقيق “التداول السلمي للسلطة” أو ما يُعرف بـ”التحول المدني الديمقراطي”. تهدف المقالة إلى فتح باب النقاش حول تلك التحديات دون ادعاء الإحاطة الكاملة بها أو تقديم حلول شاملة، وذلك لتعقيد عملية الانتقال إلى نظام مدني ديمقراطي يحقق السلام المستدام.

 

تم تقسيم المعوقات إلى أربعة محاور رئيسية: طبيعة بنية الدولة، الوضع الاجتماعي، هشاشة القوى المدنية الديمقراطية، وأخيرًا سياسة الحزب الواحد. هذه المحاور تعكس رؤية تستند إلى علم الاجتماع السياسي لتحليل الواقع السوداني.

 

  • 1. طبيعة بنية الدولة

تُعد بنية الدولة أحد أبرز معوقات التحول الديمقراطي في السودان، حيث إن السلطة السياسية، خاصة في نسختها الديكتاتورية، لا تعترف بحق الشعب في الحكم. تستمد هذه السلطة شرعيتها إما من مزاعم امتيازات تاريخية باعتبارها وريثة للاستعمار، أو من خلال الانقلابات العسكرية. وفي مسارها للوصول إلى السلطة، تتجاهل إرادة الجماهير وحقهم في إدارة شؤونهم.

 

كما أن بنية السلطة لا تتغير بغياب الحاكم، إذ سرعان ما يظهر خلف يحمل ذات السمات والسياسات. في السودان، يتمثل هذا الأمر في استمرار الفكر الذي يبرر احتكار السلطة، سواء عبر الامتياز التاريخي أو من خلال الانقلابات العسكرية التي تؤسس لنظام يخدم مصالح نخبة ضيقة على حساب الدولة ومؤسساتها.

 

  • 2. المعوّقات الاجتماعية

الطبيعة الاجتماعية للسودان تمثل عائقًا كبيرًا أمام التحول الديمقراطي. يُسيطر “العقل الديني” الذي يتجلى في تيار الإسلام السياسي بأشكاله المختلفة على المشهد العام. برز تأثير هذا التيار منذ محاولة كتابة أول دستور سوداني، حيث أصر النواب آنذاك على تعريف السودان كدولة عربية إسلامية، وهو ما عكس طبيعة المجتمعات التي تعاني من ثلاثية الفقر، والجهل، والمرض.

 

استغل تيار الإسلام السياسي هذا الواقع، مستخدمًا الدعاية للتخويف من مفاهيم الدولة المدنية مثل العلمانية، الحرية، وحقوق الإنسان، باعتبارها تهديدًا للمعتقدات الدينية.

 

  • 3. هشاشة القوى المدنية الديمقراطية

تعاني القوى المدنية الديمقراطية في السودان من هشاشة ذاتية وأخرى مرتبطة بالنظام السياسي القائم. على مر العقود، انشغلت هذه القوى بمواجهة الأنظمة الديكتاتورية بدلاً من بناء تنظيمات قوية وحديثة. في الوقت ذاته، عمدت الأنظمة الاستبدادية إلى تخريب حركة هذه القوى، سواء بتشويهها، استيعابها في السلطة، أو قمعها بشدة.

 

ورغم هذه الظروف، تتحمل القوى المدنية مسؤولية تبني الديمقراطية كبرنامج سياسي حقيقي، وإعادة هيكلة تنظيماتها لتكون أكثر قوة ومرونة، بما يلبي تطلعات الشباب الطامح للتغيير الجذري والسريع.

 

  • 4. سياسة الحزب الواحد

الحزب الحاكم في السودان لم يكن يومًا كيانًا موحدًا، بل يمثل تيارات اجتماعية مختلفة تسعى لتحقيق مصالحها عبر السلطة السياسية. تجلى هذا بوضوح في انشقاق الترابي عن البشير عام 1999، والصراعات الداخلية التي سبقت ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وأخيرًا الانقسامات الراهنة داخل حزب المؤتمر الوطني المحظور بين تيارات مثل مجموعة أحمد هارون وعلي محمود.

 

الصحيح هو أن نعتبر وجود تيار مشترك بين هذه القوى المستفيدة من بقاء السلطة عائقًا كبيرًا أمام التحول الديمقراطي. تيار الإسلاميين المناهض للتحول الديمقراطي أظهر ممانعته بوضوح، من خلال تأجيج الحرب الدائرة حاليًا ورفضه لكل مبادرات الحل السلمي.

 

  • ختاما

تعقيدات المشهد السوداني تتطلب حوارًا جادًا ومعمقًا حول هذه المعوقات، مع التركيز على بناء منظومة مدنية ديمقراطية تتجاوز تحديات الماضي وتفتح الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا.