في حوار خاص: د. تاور يكشف خفايا الحرب ومسار الثورة السودانية
في خضم النزاع المسلح الذي يعصف بالسودان منذ أبريل الماضي، تتزايد التحديات أمام القوى المدنية والثورية لإعادة بناء الدولة وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية. في هذا القاء الخاص مع موقع الغد السوداني، تحدث الدكتور صديق تاور، عضو مجلس السيادة السوداني السابق والقيادي بحزب البعث العربي الاشتراكي، عن تداعيات حرب 15 أبريل وأثرها على مسار الثورة السودانية، والتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه السودان في ظل المشهد المعقد. كما تطرق إلى أدوار القوى المدنية والعسكرية في المرحلة الانتقالية، وطرح رؤيته لاستعادة مسار الثورة وتحقيق التحول الديمقراطي.
- بداية، د. صديق، كيف تنظرون إلى حرب 15 أبريل وتأثيرها على الثورة السودانية؟
أود بداية أن أترحم على أرواح بنات وأبناء الشعب السوداني الذين عبدوا طريق الحرية والسلام والعدالة بإنتفاضة ديسمبر المجيدة، والتي أطاحت بأكثر نظام فاسد ومستبد مر على البلاد. أما بالنسبة لحرب 15 أبريل، فإنها تمثل أداة قوى الردة لإجهاض الثورة السودانية ومحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. هذه الحرب لم تكن فقط تحدياً لإرادة الشعب السوداني التي عبر عنها بسلمية ووعي، لكنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، محدثةً خراباً واسعاً ونشر الفوضى في كل أرجاء البلاد.
رغم أن الحرب أعاقت مشروع الثورة، إلا أنها أكدت ضرورة اقتلاع جذور الفساد والتمكين وبناء دولة القانون والمواطنة المتساوية. إن استمرار هذه الحرب أضاف تعقيدات جديدة إلى المشهد السوداني، لكنها أيضاً أكدت سلامة مسار الثورة وأهدافها الوطنية.
- هل يمكن أن يؤدي تشكيل حكومة موازية إلى تعميق الأزمة السودانية؟
تشكيل حكومة في ظل واقع الانقسام العسكري بين الجيش والدعم السريع يبدو غير عملي، حيث إن هذا الوضع يؤسس فعليًا لانقسام السودان على غرار ما يحدث في ليبيا واليمن والعراق. هذا السيناريو يشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل البلاد ويقوض أي فرص لحل سياسي شامل ومستدام.
- هل يمكن القول إن هذه الحرب هي امتداد لمحاولات إجهاض الثورة منذ سقوط نظام المؤتمر الوطني؟
بالطبع، الحرب هي امتداد لمحاولات إجهاض الثورة التي بدأت منذ سقوط نظام المؤتمر الوطني. شهدنا كيف وضع تحالف قوى الردة عراقيل أمام الحكومة الانتقالية من خلال إثارة النزاعات القبلية، تخريب الاقتصاد، وإشاعة عدم الاستقرار. وعندما فشلت تلك المحاولات، نفذوا انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي كان هدفه الأساسي إعادة فلول النظام البائد وحماية مصالحهم. وعندما تفاقم صراع المصالح داخل معسكر الانقلاب، وصلت البلاد إلى محرقة الحرب الحالية.
- كيف تقيم دور الشعب السوداني في مقاومة الحرب والانقلاب؟
وعي الشعب السوداني الجمعي الذي أنجز انتفاضة ديسمبر يعد رصيداً ضخماً لصالح التغيير. هذا الوعي استمر في مقاومة الانقلاب بوسائل سلمية وفعالة، تماماً كما هزم نظام الإنقاذ. رغم المحاولات المستميتة لأطراف الحرب لتعبئة الشارع بخطاب استقطابي، ظل الشعب متمسكاً بمبادئ الثورة.
مظاهر التكاتف الشعبي التي رأيناها في مبادرات الإيواء، التكايا، ودعم الطوارئ الصحية، تعكس أصالة هذا الشعب رغم الكوارث التي فرضتها الحرب.
- هل تعتقد أن هناك نماذج دولية يمكن أن تلهم السودانيين في تجاوز أزمتهم؟
النماذج القريبة من السودان كحالة الربيع العربي تقدم دروساً، لكن لكل دولة خصوصياتها. فحالة السودان أكثر تعقيداً بسبب الحروب الداخلية وتعدد الفاعلين المسلحين، بالإضافة إلى غياب مؤسسات الدولة. لكن تظل هناك أولوية واضحة: وقف الحرب، استعادة مؤسسات الدولة، والمحافظة على وحدة السودان.
- كيف ترى مستقبل المؤسسة العسكرية في ظل الوضع الراهن؟
تعرضت المؤسسة العسكرية السودانية، خلال فترة حكم نظام المؤتمر الوطني المنحل، إلى عملية تخريب ممنهجة وغير مسبوقة، استهدفت بنيتها الإدارية والمهنية. فقد شهدت المؤسسة، التي تعدّ واحدة من أهم ركائز الدولة السودانية، إهمالًا متعمدًا لصالح دعم الجيوش الموازية الموالية للنظام.
هذا التخريب لم يقتصر على الجوانب الإدارية فقط، بل امتد ليشمل تفريغ المؤسسة من الكفاءات المهنية المؤهلة، وإحلال عناصر محسوبة على النظام البائد، وفق معايير القبلية والجهوية، في مواقع القيادة. كما حُرمت الكوادر المهنية من فرص التدريب والتأهيل اللازمين لمواكبة التطورات العسكرية.
في ذات الوقت، زُج بالمؤسسة العسكرية في حروب داخلية متواصلة، أدت إلى إفساد عقيدتها الوطنية، وهو ما انعكس سلبًا على دورها وتاريخها العريق. وبعد سقوط النظام في أبريل 2019، استُخدمت المؤسسة كأداة لعرقلة الانتفاضة الشعبية ومعاداة مشروع الحكم المدني الديمقراطي.
من جانب آخر، ارتكب كثير من النخب المدنية خطأً استراتيجياً بعدم التفريق بين المؤسسة العسكرية ككيان وطني، وبين القيادات المرتبطة بنظام المؤتمر الوطني. هذا الخلط أسهم في ترسيخ صورة سلبية عن المؤسسة ككل، على الرغم من أن غالبية منتسبيها يلتزمون بالقوانين العسكرية ولا تربطهم علاقة بأي نظام سياسي.
يجب المحافظة على المؤسسة العسكرية السودانية وتنقيتها من العناصر المرتبطة بالنظام السابق، وتأهيلها بشرياً وفنياً، تعدّ أولوية وطنية. فإعادة بناء هذه المؤسسة على أسس مهنية ووطنية أمرٌ حيوي لمواجهة التحديات المعقدة التي تواجه السودان اليوم، وللحفاظ على دورها التاريخي كحامية للوطن وشعبه.
- ما هي رسالتكم للقوى المدنية في ظل هذه الظروف؟
على القوى الثورية أن تتحد وتعيد ترتيب أجندتها وفق معطيات ما بعد حرب 15 أبريل. الأولوية الآن هي وقف الحرب، معالجة آثارها، وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية ديمقراطية تعكس تطلعات الشعب.
- شهد السودان منذ فترة طويلة صراعات متوالية بين القوى العسكرية والمدنية. كيف تقيّمون أداء القيادة العسكرية الحالية؟
القيادة العسكرية الحالية كرّست كل طاقتها لهزيمة إرادة الشعب السوداني وتطلعاته نحو نظام مدني ديمقراطي. هذه القيادة تُظهر شغفًا مفرطًا بالسلطة، مما يعكس عدم إيمانها بحق الشعب في الحرية والحياة الكريمة. من المؤسف أنها تخلّت عن دورها المهني وتحولت إلى مجموعة سياسية تفرض رؤاها الخاصة ومصالحها الضيقة باستخدام قوة السلاح.
لقد شهدنا كيف تعاونت مع قيادة قوات الدعم السريع في مؤامراتها ضد القوى المدنية، مما أدى إلى تمزيق الوثيقة الدستورية وخيانة العهود. لذلك، لا يمكن التعويل عليها مجددًا للعب أي دور وطني.
- ما هي الأولويات التي يجب أن تتبناها القوى الثورية والمدنية لمواجهة التحديات الراهنة؟
على القوى الثورية أن تتحمل مسؤولياتها الوطنية وتعيد ترتيب أجندتها بما يتماشى مع المعطيات الجديدة بعد 15 أبريل. يجب أن تتوحد هذه القوى في أوسع جبهة شعبية مدنية من أجل تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
وقف الحرب التي تسببت في معاناة الشعب السوداني بأكمله. بجانب معالجة الكارثة الإنسانية المستفحلة بسبب النزوح واللجوء. وإعادة بناء الدولة على أساس مبادئ وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
- كيف ترون دور الشباب السوداني في هذه المرحلة الحرجة؟
الشباب السوداني هو العمود الفقري للثورة ومصدر الإلهام الرئيسي لتحقيق التغيير. لقد أظهروا شجاعة وتفانيًا غير مسبوقين، سواء من خلال لجان المقاومة أو المبادرات التطوعية للإيواء والإطعام. هؤلاء الشباب يمثلون المستقبل، لكنهم أيضًا يواجهون تحديات كبيرة، بما في ذلك الاستهداف الممنهج من أعداء الثورة.
رغم ذلك، يواصل الشباب تقديم نماذج ملهمة للعمل الجماعي والالتزام الوطني، ما يعزز ثقتنا في قدرتهم على قيادة المرحلة المقبلة.
- مع تعقيد المشهد السوداني، كيف يمكن للقوى الوطنية تجاوز خلافاتها لتحقيق أهداف الشعب؟
القوى الوطنية بحاجة إلى التركيز على القضايا الملحة التي لا يختلف عليها أحد: وقف الحرب، استعادة الأمن والاستقرار، وإنقاذ مستقبل الشباب. هذه القضايا يجب أن تكون أولوية قصوى، ويجب أن يتم التعامل معها بجدية وبعيدًا عن المصالح الضيقة أو المزايدات السياسية.
نجاح الثورة يعتمد على الإيمان بالشعب السوداني والرهان عليه، وليس على التدخلات الخارجية التي يمكن أن تضر أكثر مما تنفع.
- ما هي رسالتكم للقوى المدنية والشباب السوداني في هذه المرحلة الحرجة؟
أثبت الشعب السوداني، بقيادته الثورية وشبابه الواعي، أنه قادر على مواجهة أصعب التحديات. المرحلة المقبلة تتطلب شجاعة ووضوح رؤية من القوى المدنية لتوحيد الصفوف وتجاوز الخلافات من أجل بناء سودان جديد يلبي تطلعات الجميع.