هل أطفأت الحرب جذوة ثورة ديسمبر في السودان؟
في ظل الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، يواجه السودان تحولات عميقة قد تكون فاصلة في مسار ثورة ديسمبر المجيدة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل انتهت الثورة بالفعل تحت وطأة الحرب، أم أن جذوتها لا تزال متقدة في أوساط الشعب السوداني؟
للإجابة، أجرى موقع الغد السوداني سلسلة مقابلات مع ناشطين وسياسيين لاستكشاف تأثير الحرب على أهداف الثورة، وحالة الانقسام داخل لجان المقاومة، ومآلات الحراك الثوري.
الحرب والواقع الجديد
يقول محمد سيف، أحد أعضاء لجان المقاومة بمدينة الخرطوم لـ«الغد السوداني»: “الحرب فرضت واقعًا جديدًا على الثورة والمجتمع ككل. الثوار اضطروا للتعامل مع أسئلة جديدة تتعلق بالأمن والدفاع عن النفس، مما أدى إلى ربكة على المستويين النظري والتنظيمي.” وأوضح أن النزوح والانهيار الاقتصادي أثّرا بشدة على التنظيمات القاعدية التي تعتمد على الأحياء كأساس للتنسيق.
يرى سيف أن الحرب تمثل حدثًا لا يمكن تجاوزه سياسيًا، إذ إنها مرتبطة بالمعطيات الجيوسياسية والعلاقات الخارجية. ويشير إلى أن ذكرى 19 ديسمبر قد تكون وسيلة لاستعادة زخم الثورة، لكنه يحذر من الانشغال بالماضي ويدعو إلى خلق أحداث ثورية جديدة.
الثورة والانقسام السياسي
معاوية ديجانقو، عضو لجان مقاومة جنوب الخرطوم، يؤكد أن الانقسام بين الثوار هو انعكاس للتباين في الوعي السياسي. ويقول لـ«الغد السوداني»: “الانحياز لأي طرف من أطراف الحرب يعد انحرافًا عن مبادئ الثورة. الطرفان يمثلان استمرارًا للمنظومة القديمة، بينما الثورة تنحاز للشعب وتطالب بتغيير جذري.”
ويضيف أن بعض الثوار انحازوا إلى أطراف النزاع بسبب ضبابية الرؤية السياسية أو تأثير الدعاية الإعلامية. ويشير إلى أن الاستقطاب المناطقي والطبقي قد ساهم في خلق تحالفات مؤقتة. مع ذلك، يرى ديجانقو أن الفرصة لا تزال قائمة لإعادة توحيد الشارع الثوري من خلال صياغة برنامج جامع يرفض الحرب ويؤكد على استقلالية الدولة السودانية.
التحديات في استعادة الزخم الثوري
يرى الناشط أسامة إسكندر أن غياب رؤية موحدة بين الثوار أدى إلى تراجع الزخم الثوري. ويشير في حديثه لـ«الغد السوداني» إلى أهمية العودة إلى “الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب” كإطار جامع يعيد توجيه البوصلة نحو أهداف الثورة الأساسية: الحرية، السلام، والعدالة.
من جهته، يؤكد الباحث السياسي السوداني د. محمد عثمان الخضر، أن الفشل في إدارة الفترة الانتقالية ساهم في إضعاف الثورة. وتابع في حديثه لـ«الغد السوداني»: “الثورة تعثرت بسبب غياب الاستراتيجية والانفصال عن القاعدة الشعبية، مما جعلها عرضة للتلاعب السياسي والدولي.”
الحرب وتأثيرها على لجان المقاومة
الحرب أحدثت تغييرات كبيرة في هيكلة لجان المقاومة، كما يوضح الناشطون. النزوح وانعدام الأمن أعاقا قدرة هذه اللجان على التنظيم والاحتجاج. ورغم ذلك، أظهرت لجان الطوارئ ولجان الإغاثة دورًا محوريًا في تخفيف معاناة المواطنين.
ويشير محمد الأمين أبوزيد، مدير مكتب السودان بمركز العرب للأبحاث، إلى أن الانقسام في المجتمع السوداني يعكس ضعف المناعة الثورية بين قطاعات الشباب. ويرى في حديثه لـ«الغد السوداني» إلى أن توحيد القوى الثورية يتطلب تحديد أهداف مشتركة، مثل وقف الحرب، وبناء نظام ديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
فرصة لبناء توجه مستقل؟
يعتقد العديد من المتحدثين أن استمرار الحرب قد يفتح المجال لظهور توجه ثالث مستقل. إسكندر يؤكد أن الشارع يمكن أن يصطف مع خيار جديد إذا استطاع تقديم بديل يمثل الشعب بحق. “الطبيعة لا تقبل الفراغ. الثورة تحتاج إلى خطاب موحد يعيد توجيه الجماهير بعيدًا عن الاستقطابات الحالية.”
سبل استعادة الثورة
يقترح المتحدثون عدة خطوات لاستعادة مسار الثورة:
- رفض الحرب بشكل واضح: التأكيد على حل سياسي ديمقراطي كمخرج للأزمة.
- إعادة التنظيم: صياغة أدوات تنظيمية جديدة تتماشى مع الواقع الحالي.
- التواصل مع المجتمع المدني: تعزيز العمل الجماعي وتنظيم حملات توعية تدعم المطالب الشعبية.
- العودة إلى الميثاق الثوري: كإطار جامع يركز على تحقيق الحرية والسلام والعدالة.
ويشير محمد سيف إلى أن إحياء ذكرى 19 ديسمبر يمكن أن يكون نقطة انطلاق جديدة، شريطة التركيز على المطالب الشعبية بدلًا من الانقسامات الحربية.
رغم التحديات التي فرضتها الحرب، لا يزال هناك أمل في استعادة مسار ثورة ديسمبر. يرى أبوزيد أن الشعب السوداني، الذي أشعل شرارة الثورة، قادر على تجاوز هذه المرحلة عبر تنظيم صفوفه ورفض الانحياز للصراعات المسلحة. الثورة لم تُطفأ جذوتها، لكنها بحاجة إلى رؤية جديدة تعيد توحيد الشارع حول أهدافها الأساسية.