أردوغان بين الأسد والبرهان: رسائل الوداع أم إشارات التغيير؟

أثارت المكالمات الهاتفية التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً، سواء مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد أو مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، تكهنات واسعة حول أبعادها وأهدافها.

فيما كان أردوغان رمزاً للمواجهة مع نظام الأسد وداعماً للمعارضة السورية، يبدو أن توجهاته السياسية تأخذ منحى آخر في السودان. بين المكالمة الأخيرة مع الأسد التي مهّدت لسقوطه السياسي، والمكالمة التي وُصفت بـ”الوساطة” مع البرهان، قد يكون أردوغان يبعث برسائل متشابهة للأنظمة العسكرية والاستبدادية في المنطقة.

قراءة في (المشهد) مكالمة الأسد: درس في السقوط

في مكالمة أردوغان الأخيرة مع بشار الأسد قبل سقوط نظامه فعلياً، عرض الرئيس التركي على نظيره السوري التفاوض أو التنحي. تجاهل الأسد العرض وأصرّ على مواقفه، ليشهد بعدها انهيار إمبراطوريته السياسية على وقع ثورة شعبية وصراع دموي مستمر. هذه التجربة شكلت تحولاً في استراتيجية أردوغان تجاه الأنظمة القمعية، خاصة مع تغير ميزان القوى الدولية والإقليمية.

 

مكالمة البرهان: بصمات الماضي تلوح في الأفق

مكالمة أردوغان مع البرهان، رغم تقديمها كوساطة بين السودان والإمارات، تحمل أبعاداً تتجاوز الظاهر. تشير بعض التقارير إلى أن المكالمة جاءت برسالة ضمنية مفادها أن البرهان أمام خيارين: التفاوض لحل الأزمة السودانية أو مواجهة مصير مشابه لبشار الأسد.

 

الدور التركي الجديد في السودان

تركيا، التي طالما اتُّهمت بدعم فلول النظام السابق واستضافتهم على أراضيها، حافظت على سياسة “الحصافة السياسية” خلال الحرب السودانية الأخيرة. لم تقدم دعماً علنياً للعسكر أو للإسلاميين، واختارت النأي بنفسها عن الصراع. هذا الموقف يجعلها الآن في موقع مقبول للعب دور الوسيط الفاعل، وهو دور ينسجم مع التحالفات التركية-الأمريكية في المنطقة.

 

إشارات أمريكية خلف الكواليس

اتصال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع أردوغان بشأن سوريا لا يمكن فصله عن مكالمة الأخير مع البرهان. واشنطن تعمل على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بدءاً من سوريا وصولاً إلى السودان، بهدف التخلص من الأنظمة العسكرية والمستبدة التي باتت عبئاً على استقرار المنطقة.

 

تركيا وسياسة “صافرات النهاية”

المكالمة مع البرهان قد تكون بداية لمرحلة “تخلي الحلفاء”، كما حدث مع الأسد. تركيا الآن تُظهر نواياها لدعم عملية السلام في السودان بوجه جديد، يتماشى مع التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة. يبدو أن أردوغان يلعب دور “صافرة النهاية”، مقدماً للبرهان خياراً أخيراً قبل خسارة الدعم الإقليمي والدولي.

توقعات المرحلة المقبلة

  • انسحاب تدريجي للقيادات العسكرية

قد نشهد استقالات أو انسحابات لقيادات عسكرية بارزة في السودان خلال الفترة المقبلة، استجابة للضغوط الدولية والإقليمية.

  • تعزيز دور تركيا في الوساطة

تركيا مرشحة للعب دور أكبر في العملية السياسية بالسودان، بدعم أمريكي وإسرائيلي، بما يخدم إعادة تشكيل الشرق الأوسط.

  • ضغط دولي متزايد على البرهان

مع دخول تركيا على خط الأزمة، ستتصاعد الضغوط على البرهان لتقديم تنازلات تفتح الباب أمام حل سياسي شامل.

التحولات في سياسات تركيا الخارجية تحمل إشارات واضحة تجاه أنظمة الحكم في المنطقة. مكالمة أردوغان مع البرهان تضع الأخير أمام مفترق طرق: التفاوض أو مواجهة مصير مشابه لبشار الأسد. يبدو أن تركيا تسعى الآن لتعزيز دورها كوسيط في أزمات المنطقة، بما يتماشى مع التحالفات الإقليمية الجديدة، تاركة للجنرالات خياراً وحيداً للخروج الآمن.