بين التهريب والصراع: نافذة الذهب الموحدة في السودان تحاول تغيير قواعد اللعبة
دشّن عضو مجلس السيادة الانتقالي، الفريق مهندس بحري مستشار إبراهيم جابر، النافذة السودانية الموحدة لتصدير الذهب، في خطوة تهدف لتسهيل الإجراءات الحكومية وتعزيز عوائد البلاد من هذا المعدن النفيس الذي أصبح محور الاقتصاد السوداني ومثار صراع داخلي وخارجي.
الخطوة الجديدة تهدف إلى تسهيل الإجراءات وتقصير المسافة بين الجهات الحكومية ذات الصلة والمصدرين، في محاولة للحد من تهريب الذهب، الذي يُقدر مراقبون أن 70% منه يُهرب عبر طرق غير رسمية. مع تجاوز إنتاج الذهب السنوي 100 طن، يُصدر رسميًا 30 طنًا فقط، بينما يُفقد الباقي في السوق السوداء، ما يكبد الاقتصاد السوداني خسائر فادحة.
أداة للحد من التهريب أم معالجة محدودة؟
وفقًا لمدير عام الشركة السودانية للموارد المعدنية، محمد طاهر عمر، فإن التهريب كان أحد التحديات الأساسية التي تواجه قطاع الذهب في السودان. مع تدشين النافذة الموحدة، يأمل المسؤولون في تقليل هذه الظاهرة عبر تبسيط الإجراءات وتقليص التكاليف المفروضة على المنتجين والمصدرين.
ولكن رغم التفاؤل الحكومي، يرى مراقبون أن التحدي لا يقتصر فقط على التسهيلات الإدارية، بل يتطلب أيضًا ضبطًا أمنيًا محكمًا واستراتيجيات لمعالجة الأسباب الجذرية التي تدفع المنتجين إلى اللجوء للسوق السوداء، بما في ذلك أسعار الصرف والجمارك المرتفعة.
الذهب في قلب الصراع
تزامن إطلاق النافذة الموحدة مع استمرار الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهو صراع يُنظر إليه على أنه مرتبط جزئيًا بالسيطرة على موارد الذهب. يحذر مراقبون من أن الذهب، الذي يُعد مصدر تمويل أساسيًا لكلا الطرفين، قد يُطيل أمد الصراع ما لم تُتخذ خطوات حاسمة لتجفيف موارده غير القانونية.
وقال دبلوماسي أمريكي مؤخرًا: “من لديه الذهب سيواصل الحرب”، مشيرًا إلى الدور الذي تلعبه تجارة الذهب في تمويل العمليات العسكرية لكلا الطرفين.
رهان اقتصادي كبير
ساهم الذهب بنسبة 60% من صادرات السودان خلال العام الجاري، وفقًا لنائب محافظ بنك السودان المركزي، محمد عثمان. ومع تجاوز عائدات صادرات الذهب 1.5 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الماضية، تأمل الحكومة في أن تُحدث النافذة الموحدة نقلة نوعية في هذا القطاع، سواء عبر زيادة العائدات أو استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
من جانبه، أكد وكيل وزارة المعادن المكلف، د. محمد سعيد زين العابدين، أن النافذة لن تقتصر مستقبلاً على الذهب فقط، بل ستشمل أيضًا المعادن الأخرى، مما يجعلها جزءًا من استراتيجية متكاملة لتعزيز صادرات الموارد الطبيعية.
إعادة صياغة المشهد
يعتبر إطلاق النافذة الموحدة لتصدير الذهب خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست حلاً سحريًا للتحديات التي تواجه قطاع التعدين في السودان. يحتاج هذا القطاع إلى إصلاحات هيكلية وسياسات متكاملة، بما في ذلك ضبط عمليات الإنتاج، تحسين أسعار الصرف، وتأمين المناطق التعدينية.
وفي ظل استمرار الصراعات، يبقى السؤال: هل تستطيع هذه النافذة إعادة صياغة المشهد الاقتصادي للذهب، أم أنها ستظل مجرد خطوة أخرى في مسيرة طويلة نحو الاستقرار؟