الأزمة السودانية «صراع لا ينتهي»: نفق مظلم أم بداية تحول جذري؟

لم تزل الأزمة السودانية في قلب نزاع متشابك تزداد تعقيداته يومًا بعد يوم. فالصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع – شبة العسكريه، لا يزال يمزق العاصمة الخرطوم ومناطق واسعة من دارفور وكردفان. تشير التقارير الأخيرة إلى تقدم تكتيكي متبادل بين الطرفين في عدة مناطق، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى تعزيز نفوذها في دارفور عبر استغلال الانقسامات القبلية، بينما تعمل القوات المسلحة على استعادة السيطرة في الخرطوم وأجزاء من وسط السودان.

انعكس هذا التصعيد الميداني على المدنيين، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة موجات نزوح جماعي، وارتفاع معدلات الوفيات نتيجة الهجمات العشوائية وانعدام الخدمات الأساسية.

 

التدخل الإيراني: لاعب جديد على الساحة؟

برزت إيران كلاعب جديد في النزاع السوداني، حيث أثار توريدها أسلحة لبعض الفصائل المسلحة قلقًا دوليًا وإقليميًا. تأتي هذه الخطوة في سياق محاولات طهران لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، وسط تنافس محتدم مع أطراف إقليمية أخرى مثل السعودية والإمارات.

 

يشير مراقبون إلى أن الدعم الإيراني قد يفاقم الأزمة ويعقد جهود الوساطة، خاصة مع بروز مخاوف من تصاعد الانقسامات واستقطاب أطراف دولية أكبر. هذه التدخلات تعيد السودان إلى دائرة الصراع الإقليمي، ما يعطل أي مساعٍ لتسوية سلمية.

 

تدهور الوضع الإنساني والصحي

بينما تتفاقم المعارك، يعاني الشعب السوداني من وضع إنساني متدهور يُصنف من بين الأسوأ عالميًا. تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن أكثر من 25 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات، في ظل انهيار شبه كامل للنظام الصحي.

 

المستشفيات باتت شبه خالية من الكوادر الطبية والإمدادات، مع إغلاق 70% منها بسبب القصف أو انعدام الأمن. بالإضافة إلى ذلك، تفشت أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا، مما ينذر بكارثة صحية إن لم يتم التدخل العاجل.

 

انعكاسات على الداخل والخارج

انعكس الوضع المتدهور داخليًا على الاقتصاد السوداني الذي يعيش حالة شلل شبه تام، حيث تعطلت سلاسل الإمداد وانخفضت قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها. خارجيًا، أثارت الأزمة قلقًا متزايدًا من تداعياتها على الأمن الإقليمي، خاصة مع امتداد النزوح إلى دول الجوار مثل مصر وليبيا وتشاد وجنوب السودان.

 

هل من مخرج؟

وسط هذه المعطيات القاتمة، لا تزال الجهود الدولية والإقليمية للوساطة تواجه عقبات كبرى. فتعنت الأطراف المتصارعة وتعدد الأجندات الخارجية يعرقلان أي تقدم ملموس. ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن الضغط الدولي المتزايد، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، قد يفتح نافذة ضيقة لحل سياسي شامل.

 

تبقى أزمة السودان اختبارًا حقيقيًا لإرادة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في تجاوز المصالح الضيقة لتحقيق سلام دائم، في وقت يحتاج فيه الشعب السوداني إلى بصيص أمل وسط الظلام الدامس.