هل أصبح الحياد الإعلامي جريمة في السودان؟ – بين تحذيرات الحكومة وحرية التعبير

لون الحقيقة

 

في تصريح أثار جدلاً واسعاً، حذّر وزير الإعلام السوداني، خالد الإعيسر، وسائل الإعلام المحلية والدولية من التهاون في التزام الحياد والموضوعية في تغطية القضية السودانية، مشيراً إلى أن أي وسيلة إعلامية تخالف ذلك قد تواجه الإغلاق خلال فترة تكليفه بالوزارة. هذا التصريح يلقي الضوء على معركة متصاعدة حول دور الإعلام في توجيه الرأي العام وإدارة الأزمات الوطنية.

 

يأتي هذا التحذير في وقت يشهد السودان حالة من الاستقطاب السياسي والمجتمعي الحاد، حيث باتت وسائل الإعلام جزءاً لا يتجزأ من معركة التأثير والتوجيه. في هذا المناخ، أصبح الالتزام بالحياد تحدياً أمام الإعلاميين، الذين يواجهون ضغوطاً متزايدة بين ضرورة تقديم تغطية مهنية وبين إرضاء أطراف متعارضة.

 

من جهة، يعد الحياد إحدى الركائز الأساسية لمواثيق الشرف الإعلامي، إذ يُمكّن الصحفيين من بناء جسور ثقة مع الجمهور. ومن جهة أخرى، يُنظر إليه من قبل بعض الجهات على أنه “تخاذل” أو انحياز ضمني إذا لم يدعم قضايا بعينها. تصريحات الإعيسر قد تُثير أسئلة أعمق حول حدود حرية التعبير ومسؤولية الإعلام في أوقات الأزمات.

 

هذا الموقف الرسمي قد يثير مخاوف بشأن تقلص مساحة حرية التعبير في السودان، حيث يُنظر إلى التهديد بإغلاق المؤسسات الإعلامية كأداة للسيطرة على السرد الإعلامي. ومع أن الالتزام بالحياد أمر أساسي، إلا أن فرضه بقوة القانون قد يُفضي إلى تكميم الأصوات المستقلة، ما يهدد بتقويض التعددية الإعلامية في البلاد.

 

وقبل هذا الموقف المخل بأخلاقيات المهنة، يواجة الصحفيون السودانيون 6 مخاطر كبيرة جراء الحرب الدائرة في البلاد، تشمل:

  •  الاستهداف المباشر: تعرض العديد من الصحفيين للاعتقال، والتهديد، وحتى القتل بسبب تغطيتهم للأحداث، أو آرائهم، أو انتقادهم للأطراف المتحاربة.

 

  •  غياب الحماية القانونية: في ظل انهيار مؤسسات الدولة، يصبح الصحفيون عرضة للاعتداءات من دون أي آليات قانونية لحمايتهم أو لمحاسبة المعتدين.

 

  • الظروف الميدانية الخطرة: العمل في مناطق النزاع يعرض الصحفيين لخطر الإصابة أو الموت بسبب القصف أو الاشتباكات المباشرة.

 

  • القمع الرقابي والإعلامي: تتعرض وسائل الإعلام للرقابة الشديدة من قبل الأطراف المتصارعة، مما يؤدي إلى مصادرة المعدات، أو إغلاق المؤسسات الإعلامية، أو فرض رقابة صارمة على المحتوى.

 

  • النزوح والتهجير: أجبرت الحرب الكثير من الصحفيين على ترك منازلهم ومدنهم، مما أثر على استقرارهم المهني والشخصي.

 

  •  الأزمة الاقتصادية: مع تدهور الوضع الاقتصادي، تعاني المؤسسات الإعلامية من نقص الموارد، مما يهدد استمراريتها ويزيد من هشاشة وضع الصحفيين.

 

رغم هذه التحديات، يواصل العديد من الصحفيين السودانيين العمل لتوثيق الأحداث ونقل الحقائق، مما يجعل دورهم محوريًا في كشف حقيقة الصراع وإبراز معاناة المدنيين.

 

ختاماً أثبتت التجارب العالمية أن الإعلام المهني المحايد يساهم في تهدئة الأوضاع وتهيئة البيئة للحوار البنّاء. ومع ذلك، يُطرح تساؤل حيوي: كيف يمكن للإعلام السوداني الموازنة بين دوره التنويري والتزامه بالحياد، دون أن يصبح ضحية لضغوط سياسية أو اقتصادية؟