لغز نهب المتحف القومي السوداني: مصير 80 ألف قطعة أثرية ذهبية مجهول
في خضم الحرب التي تمزق السودان، تعرض المتحف القومي السوداني، أحد أبرز رموز التراث الثقافي في البلاد، لعملية نهب غير مسبوقة. آلاف القطع الأثرية، من بينها 80 ألف قطعة ذهبية ومومياوات تعود إلى أكثر من 4500 عام، اختفت في ظروف غامضة، تاركة وراءها أسئلة بلا إجابات.
وفي وقت تثير فيه تقارير عن عرض بعض هذه القطع على مواقع التجارة الإلكترونية العالمية ضجة كبيرة، نفت السلطات السودانية علاقت العروضات بماتم نهبه إبان الحرب، مؤكدة أنها تنتمي لفترات سابقة خرجت فيها الآثار من السودان بشكل رسمي.
تتبع الأقمار الصناعية وشهادات شهود العيان
بحسب خبراء تحدثوا إلى الغد السوداني، أظهرت صور الأقمار الصناعية شاحنات محملة بالآثار وهي تتحرك جنوبًا باتجاه الحدود مع جنوب السودان. وعلى الرغم من هذه الأدلة، لا يزال العدد الفعلي للقطع المسروقة موضع جدل. مقاطع فيديو نشرتها قوات الدعم السريع من داخل المتحف القومي، قبل أشهر أثارت الجدل حول مصير القطع، رغم نفي القوات ضلوعها في النهب.
إخلاص عبد اللطيف، مديرة إدارة المتاحف بالهيئة العامة للآثار، أكدت في تصريح خاص لـ«الغد السوداني» أن القطع التي ظهرت في الأسواق الإلكترونية لا تتطابق مع مقتنيات المتحف القومي، مشيرة إلى أن مصير القطع المسروقة لا يزال مجهولًا.
تحرك رسمي لوقف النزيف الثقافي
لمواجهة هذه الأزمة، أعلن وزير الثقافة والإعلام السابق، جراهام عبد القادر، عن تشكيل لجنة خاصة تضم الجهات الأمنية والدبلوماسية لحماية المتاحف والآثار. ونجحت الشرطة السودانية، في عملية نوعية، بتفكيك شبكة إجرامية تورطت في نهب الآثار والمتاجرة بالمخدرات، وضبطت كنوزًا أثرية نادرة ومبالغ مالية كبيرة.
يقول معز محمد أحمد، عضو جمعية حماية الآثار والتراث، لـ«الغد السوداني» إن الباحثين كانوا قد طالبوا منذ بداية الحرب بتوفير حماية للمتاحف. وأشار إلى غياب التدابير الاحترازية الكافية لتأمين المتحف، مثل كاميرات المراقبة، مما ساهم في تزايد السرقات.
إرث حضاري في مهب الريح
فيما يزداد الجدل حول حماية المواقع الأثرية، كشف انهيار أرضي قرب هرم تهارقا عن ممر سري، ما يسلط الضوء على التهديدات التي تواجه الأهرامات السودانية. إلى جانب ذلك، تسببت الأمطار والسيول في أضرار جسيمة بمواقع أثرية بارزة، مثل نوري والكرو، وسط مطالبات عاجلة بتدخل دولي لإنقاذ التراث السوداني.
عبد الله علي، مهتم بالآثار السودانية، أشار في حديثه لـ«الغد السوداني» إلى أن مياه الأمطار والسيول تشكل تهديدًا كبيرًا للآثار، خاصة في مناطق مثل نوري والكرو، حيث تعاني المومياوات والنقوش القديمة من التلف نتيجة غمرها بالمياه.
مستقبل غامض
بينما يستمر البحث عن آلاف القطع المفقودة، يبقى إرث السودان الحضاري عرضة للضياع، سواء بفعل عوامل الطبيعة أو جشع العصابات. قضية نهب المتحف القومي ليست مجرد مأساة ثقافية، بل جرس إنذار يستدعي تحركًا عاجلًا لإنقاذ ما تبقى من هوية السودان التاريخية.