من قلب الصراع إلى منصة الإبداع: كيف أثرت الحرب في السودان على المشهد الفني؟

في ظل الصراع الدائر في السودان، لا تقتصر الآثار السلبية على الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل مختلف جوانب الحياة الثقافية، بما في ذلك الفنون. حيث يواجه الفنانون السودانيون تحديات غير مسبوقة نتيجة الحرب، سواء على مستوى ممارسة فنونهم أو الحفاظ على تراثهم الثقافي.

تعتبر الفنون من أكثر المجالات التي تتأثر سريعًا بالاضطرابات السياسية والاجتماعية، خاصة في سياق الحرب التي تجتاح البلاد منذ أكثر من عام. فالعديد من الفنانين السودانيين وجدوا أنفسهم مضطرين للانتقال إلى مناطق أكثر أمانًا داخل السودان أو الهجرة إلى الخارج، مما يضعهم في مواجهة تحديات جديدة تتعلق بالتكيف مع بيئات مختلفة، وفقدان جمهورهم المحلي.

 

ويقول الفنان التشكيلي محمد أمين، الذي اضطر لمغادرة الخرطوم إلى مدينة عطبرة، لـ«الغد السوداني» إن “الفن هو وسيلة للتعبير عن مشاعرنا وآلامنا وأحلامنا، ولكن عندما تصبح الحياة نفسها مهددة، يصبح من الصعب التركيز على الإبداع”. ويضيف: “على الرغم من الظروف الصعبة، لا يزال الفنانون السودانيون يحاولون الحفاظ على شعلة الفن متقدة، سواء من خلال إقامة معارض فنية صغيرة في أماكن آمنة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي”.

 

تدمير المراكز الثقافية وتأثيره على الفنون

لم تسلم المراكز الثقافية والمعارض الفنية من تأثيرات الحرب، فقد تضررت العديد منها بشكل كبير بسبب الاشتباكات أو عمليات النهب. يشير د.إسماعيل الفحيل، مدير بيت التراث في الخرطوم، في حديثة لـ«الغد السوداني» إلى أن “المراكز الثقافية كانت دائمًا ملاذًا للفنانين والشباب السودانيين للتعبير عن أنفسهم، ولكن اليوم أصبحت المراكز في المناطق الأمنة مهددة بالإغلاق بسبب نقص الدعم المادي والظروف الأمنية غير المستقرة”.

 

وبالرغم من هذه التحديات، فإن هناك جهودًا مستمرة لإحياء النشاط الفني في السودان. فبعض الفنانين يقومون بإعادة استخدام المواد المدمرة لصنع أعمال فنية تعبر عن مقاومة الحرب، وتحول الألم إلى إبداع.

 

الفن كأداة للمقاومة والأمل

على الرغم من القسوة التي فرضتها الحرب، يعتبر العديد من الفنانين السودانيين أن الفن هو وسيلة للمقاومة، حيث يستخدمون لوحاتهم وأعمالهم الفنية كمنصة لإيصال رسائلهم للعالم وللتعبير عن الأمل في مستقبل أفضل. وقد أطلقت مجموعة من الفنانين السودانيين حملة رقمية تحت شعار “الفن من أجل السلام” بهدف تسليط الضوء على معاناة المدنيين ودعوة المجتمع الدولي للتدخل.

 

وفي هذا السياق، يشير الصحفي والناقد الفني محمد أدم بركة في تصريحه لـ«الغد السوداني» إلى أن “الفنانين السودانيين لطالما كانوا جزءًا من الحركة الوطنية، وفي هذه المرحلة الحرجة، أصبح دورهم أكثر أهمية من أي وقت مضى لنقل صوت الشعب ومعاناته وآماله”.

 

الآفاق المستقبلية للفن السوداني بعد الحرب

مع استمرار الأزمة، يبقى السؤال حول مستقبل الفن في السودان غامضًا. لكن الروح الإبداعية للفنانين السودانيين، وإصرارهم على مواصلة الإبداع رغم الظروف، يبعث برسالة أمل. يقول الباحث في التراث الثقافي، د. عبد الله، لـ«الغد السوداني» إن “الفن السوداني لطالما تميز بالتنوع والثراء، ونحن واثقون بأن الفنانين سيجدون طرقًا مبتكرة للتغلب على هذه التحديات والعودة بقوة إلى الساحة الفنية”.

 

في النهاية، يظهر الفن السوداني كمرآة تعكس الواقع الصعب ولكنها تحمل في طياتها أيضًا الأمل والإصرار على التغيير.