بين الإيقاع والرّصاص: كيف أثّر النزاع المسلح على مشهد الراب في السودان؟

سهام صالح

صحفية سودانية

وسط أجواء الحرب والفوضى التي تعصف بالسودان منذ اندلاع النزاع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في 2023، وجدت الساحة الموسيقية نفسها في مواجهة جديدة، حيث أصبح الراب السوداني صوتًا يعبر عن معاناة الشعب وآماله في الحرية والسلام. لم تعد هذه الموسيقى مجرد أداة للتسلية، بل تحولت إلى منبر قوي للتعبير عن الغضب والرفض للأوضاع الراهنة.

في تصريح خاص لـ«الغد السوداني»، تحدث مغني الراب أواب عن تأثير الراب في المجتمع السوداني قائلاً: “الراب هُو سلاح ذو حدين. من وجهة نظري، أقوى أنواع الرسائل تكمن في الراب، فهو قادر على نقل ثقافات وتوعية مجتمعات، وأيضًا على إحلال السلام أو صنع الحرب”. وأكد أواب على قدرة هذا النوع من الموسيقى على التأثير بقوة، مشيرًا إلى أن الفن قادر على إيقاظ الوعي وتحفيز التغيير الاجتماعي.

 

قصص من عمق الصراع: مغنو الراب يقاومون بالكلمات

مع تصاعد العنف في السودان، ظهرت مجموعة من الأغاني التي عبرت بصدق عن واقع الحرب ومعاناة السودانيين، منها:

 

  • “عودة الخرطوم” – روتيشن

أغنية “عودة الخرطوم” انتشرت بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تعبر عن تطلعات السودانيين في استعادة مدينتهم بعد الدمار. تتميز أغاني روتيشن بالصدق والجرأة، ما جعلها تحظى بتفاعل واسع بين الشباب.

 

  •  “كلام الشارع” و”ربك يعين” – Ali Gx

علي جي إكس، أحد الأسماء البارزة في ساحة الراب السوداني، استخدم موسيقاه لنقل هموم الشارع، حيث تتناول أغانيه مواضيع تتعلق بالفقر والظلم الاجتماعي.

 

  •  محمد كمال (MG) – “صوت المستضعفين”

محمد كمال، المعروف بـ MG، يُلقب بـ “صوت المستضعفين”. منذ 2020، يستخدم كلماته للتعبير عن آمال الشباب السوداني في التغيير، حيث تبرز أغنيته “نبض الشارع” كواحدة من أقوى الأغاني التي تتناول القضايا الاجتماعية والسياسية.

 

  •  “جزار” – حليم تاج السر

بأغنيته “جزار”، ينتقد حليم تاج السر الأوضاع السياسية الراهنة بشراسة، مسلطًا الضوء على الصراعات الدموية والعنف المنتشر. الأغنية تمثل صرخة احتجاج ضد الظلم.

 

  •  ألبوم “ديجا فو” – سولجا

ألبوم “ديجا فو” يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه السودانيون يوميًا. يقدم سولجا مزيجًا فريدًا من الهيب هوب والإيقاعات السودانية التقليدية، مازجًا بين الماضي والحاضر لتوثيق تجارب الحرب.

 

الراب: أداة للتوعية والتغيير

لم تكن هذه الأغاني مجرد أصوات موسيقية؛ بل أصبحت رسائل قوية تهدف إلى لفت الانتباه للقضايا الاجتماعية والإنسانية. يُعبر الراب السوداني عن معاناة النازحين، ضحايا العنف، والفئات المهمشة، ويسلط الضوء على قضايا مثل:

 

القمع السياسي: يشير العديد من مغنيي الراب إلى الانتهاكات التي تمارسها السلطات ضد المتظاهرين والنشطاء، داعين إلى الحرية والعدالة.

 

الهوية والانتماء: الأغاني تعكس مشاعر الفخر بالهوية السودانية، وتدعو إلى التعايش السلمي بين مختلف الفئات.

 

السلام والعدالة: يحلم الفنانون السودانيون بوطن ينعم بالسلام، ويستخدمون كلماتهم لدعوة الشباب إلى نبذ العنف والمطالبة بالحقوق.

 

الفساد والفقر: تنتقد أغاني الراب الفساد المستشري، وسوء الإدارة التي أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، معبرة عن آمال الشباب في تغيير الوضع الراهن.

 

الراب: بين العلاج النفسي والصمود

يرى مغنو الراب أن موسيقاهم ليست مجرد أداة للاحتجاج، بل وسيلة للتعافي من آثار الحرب. يصف أواب الراب بأنه “مصدر أمان” يُمكن الشباب من التعبير عن مشاعرهم بشكل إبداعي، يقول أواب: “الراب أو كتابة الموسيقى دور كبير في تخفيف الأعباء العاطفية، وخلق شخصية جديدة تستطيع مواجهة التحديات”.

 

الراب السوداني على منصات التواصل الاجتماعي

مع تزايد استخدام الشباب السوداني لمنصات مثل تيك توك وإنستغرام، أصبحت هذه المنصات بمثابة منصة لانتشار أغاني الراب السودانية التي تحمل رسائل احتجاجية. حازت مقاطع الفيديو على ملايين المشاهدات، ما أكسب هذه الموسيقى زخمًا كبيرًا وأعاد تشكيل المشهد الثقافي في السودان.

 

الفن رسالة للسلام في السودان

أكد الفنان السوداني المعروف ود الزين في تصريح خاص لـ«الغد السوداني»، على أهمية الفن في إيصال رسائل السلام والتغيير الإيجابي في السودان.

 

وأوضح ود الزين قائلاً: “الرابر السودانيون يتطورون بشكل ملحوظ في هذا النوع من الفنون، وهو تطور إيجابي يمكن أن يسهم في تعزيز ثقافة الحوار والسلام”. وأضاف: “الفن بشكل عام، مهما كان نوعه، يمكن أن يكون أداة فعّالة لنشر رسائل السلام والأمل في المجتمع السوداني، خاصة في الظروف الحالية”.

 

صوت الشعب

يشهد السودان مرحلة حساسة من التحولات الاجتماعية والسياسية، حيث يبرز الفن كوسيلة قوية لتعزيز قيم الوحدة والتسامح.

الراب السوداني لم يعد مجرد نوع موسيقي، بل تحول إلى حركة اجتماعية وثقافية تُجسد مقاومة الشباب السوداني للأوضاع الراهنة، وتسعى لتحقيق العدالة والحرية. ومع استمرار الصراع، يبقى الراب هو الصوت الذي يردد مطالب الشباب بالأمل والتغيير.