الأبعاد الاقتصادية للصراع في السودان: كيف تُغذي الموارد والنزاعات الفقر والتهميش؟
الصراع في السودان، الذي اندلع في أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع – شبة العسكريه، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، له جذور اقتصادية عميقة تُضاف إلى العوامل السياسية والعرقية المعقدة التي تشكّل هذا البلد. لفهم هذا الصراع، من الضروري استكشاف الجوانب الاقتصادية التي تؤثر على الديناميات بين الأطراف المتنازعة.
يُعد السودان من بين أفقر الدول في العالم، حيث يُقدر معدل الفقر بحوالي 55% من السكان. تاريخيًا، عانت البلاد من تهميش اقتصادي للعديد من المناطق، خاصةً في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مما ساهم في إشعال الصراعات الإقليمية. تُعتبر المناطق الريفية في السودان الأكثر تأثرًا بنقص الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما جعل السكان في هذه المناطق أكثر عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة.
الصراع على الموارد
السودان بلد غني بالموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب، والزراعة، والثروة الحيوانية، والنفط. لكن هذه الموارد أصبحت محورًا للصراع بدلاً من أن تكون مصدرًا للتنمية. بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011، فقد السودان حوالي 75% من احتياطياته النفطية، مما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة. في المقابل، تحول التركيز نحو الذهب كمصدر رئيسي للعملات الأجنبية، مما أدى إلى تنافس شديد على السيطرة على مناجم الذهب، خاصة في دارفور وجنوب كردفان.
قوات الدعم السريع، بقيادة حميدتي، تُسيطر بشكل كبير على قطاع تعدين الذهب، ما يجعلها لاعبًا اقتصاديًا قويًا في البلاد. هذا الوضع يفسر جزئيًا أسباب الصراع بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على هذه الموارد.
أزمة اقتصادية وديون خارجية
تفاقمت الأوضاع الاقتصادية بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية الدولية على السودان بسبب سياسات نظام عمر البشير (1989-2019). على الرغم من رفع بعض العقوبات بعد سقوط نظام البشير، إلا أن الاقتصاد لم يتعافَ بشكل كامل، حيث ظل يعاني من التضخم المرتفع، ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
السودان أيضًا مُثقل بديون خارجية تزيد عن 60 مليار دولار. هذا الثقل الاقتصادي يحد من قدرة الحكومة على توفير الخدمات الأساسية، مما يعمق الإحباط الشعبي ويزيد من احتمالية اندلاع الاحتجاجات والصراعات.
الأزمة الإنسانية
الصراع المستمر أدى إلى نزوح الملايين من السودانيين، مما فاقم من الأزمات الإنسانية. تُقدّر الأمم المتحدة أن حوالي 24 مليون شخص في السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مع وجود نقص حاد في الغذاء والماء والرعاية الصحية. كما أن الصراع أدى إلى تعطل سلاسل التوريد الزراعية، مما ساهم في تفاقم انعدام الأمن الغذائي.
فساد وعدم استقرار سياسي
الفساد المستشري داخل المؤسسات السودانية أدى إلى تعميق الأزمة الاقتصادية. تتنافس النخب العسكرية والمدنية على السيطرة على موارد الدولة، مما يعرقل أي جهود إصلاحية تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار. حالة عدم الاستقرار السياسي المستمرة، مع تعاقب الحكومات والانقلابات، جعلت من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد.
التدخلات الإقليمية والدولية
هناك تدخلات إقليمية ودولية تزيد من تعقيد الصراع، حيث تدعم دول مثل الإمارات، والسعودية، وإيران، أطرافًا مختلفة في الصراع لتحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. هذه التدخلات تشمل دعمًا ماليًا وعسكريًا للطرفين المتنازعين، مما يعزز من استدامة الصراع ويؤثر على الاقتصاد السوداني بشكل سلبي.
كيف يتحقق الاستقرار؟
الصراع في السودان ليس مجرد نزاع على السلطة بين الفصائل العسكرية، بل هو صراع متعدد الأبعاد يتأثر بشكل كبير بالعوامل الاقتصادية. الفقر، والتهميش، والصراع على الموارد، والأزمة الإنسانية، كلها عوامل تجعل من الصعب تحقيق الاستقرار في السودان دون معالجة الجذور الاقتصادية للصراع. لذلك، فإن أي حل مستدام للأزمة السودانية يجب أن يتضمن استراتيجية شاملة للتنمية الاقتصادية وإعادة توزيع الثروات بشكل عادل بين جميع مناطق البلاد.