
أزمة تغيير العملة في السودان: صراع بين الحكومة وقوات الدعم السريع
في خطوة مثيرة للجدل، أعلن بنك السودان المركزي في العاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان، عن عزمه تغيير العملة الورقية. هذه الخطوة أثارت ردود فعل واسعة، أبرزها رفض قوات الدعم السريع، التي أكدت أنها لن تسمح بتداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتها. هذا القرار يشكل تصعيدًا اقتصاديًا في بلد يعاني أصلاً من تحديات اقتصادية كبيرة جراء الحرب والصراعات الداخلية.
خلفية القرار ورد الفعل
أعلن بنك السودان المركزي يوم السبت عن خطته لتغيير العملة الورقية في البلاد، رغم تعطل المصارف في معظم ولايات السودان، خاصة في دارفور وكردفان والجزيرة. ويأتي هذا القرار في ظل أوضاع اقتصادية متردية وتعطل النظام المصرفي في البلاد بسبب الحرب المستمرة.
وفي رد فعل سريع، أعلنت قوات الدعم السريع يوم الأحد رفضها للعملة الجديدة، مؤكدة أنها “لن تسمح بتداولها في مناطق سيطرتها”. وصرّح أيوب نهار، مستشار قائد الميليشيا، بأن هذه الخطوة بمثابة “حصار اقتصادي” على السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع. وأكد أن قواتهم ستعتمد على الدولار كعملة رسمية في دارفور حتى تتم ترتيبات طباعة عملة محلية بديلة.
تأثير اقتصادي واسع النطاق
يرى الخبير المصرفي وليد دليل أن خطوة تغيير العملة ينبغي أن تتم فقط بعد دحر التمرد واستقرار الأوضاع، مؤكداً أن طباعة النقود عملية معقدة ترتبط باحتياطي النقد الأجنبي أو الذهب. ويحذر من أن طباعة النقود دون رصيد يعزز التضخم، مما يدفع المواطنين لتحويل مدخراتهم إلى أصول آمنة كالدولار أو الذهب، ما يؤدي إلى ضغط إضافي على الاقتصاد المنهار أصلاً.
أشار دليل إلى أن السوق السودانية تعاني منذ 2018 من أزمة في العملات الأجنبية، مما خلق سوقاً سوداء نشطة وتسبب في تآكل قيمة الجنيه السوداني. هذا الوضع أدى إلى اعتماد الكثير من الأنشطة التجارية على الدولار كمعيار للتسعير، مما يفاقم أزمة سعر الصرف ويعيق جهود جذب الاستثمارات الأجنبية.
بدائل الدعم السريع وتداعياتها
في المقابل، أعلنت قوات الدعم السريع أنها تعمل على تطوير بدائل لمواجهة خطوة تغيير العملة، بما في ذلك اعتماد محفظة مالية متعددة العملات وتطوير طرق لتجاوز شح السيولة، مثل مقايضة السلع بين الصادر والوارد. وذكر أيوب نهار أن هذه البدائل تساعد في استمرارية الحياة الاقتصادية في دارفور بشكل “منتظم” رغم توقف عمل المصارف.
إلا أن هذه الخطوة تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي، حيث يرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن رفض قوات الدعم السريع للتعامل بالعملة الجديدة سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية ويزيد من معاناة المواطنين. واعتبر أن هذا القرار سيؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي بين دارفور والولايات الأخرى، مما يعزز الانقسام الاقتصادي ويؤدي إلى تدهور إضافي في الاقتصاد السوداني.
الانعكاسات السياسية والاجتماعية
التداعيات الاقتصادية لقرار تغيير العملة لن تقتصر على الجانب المالي فقط، بل ستمتد إلى النواحي الاجتماعية والسياسية. يشير هيثم فتحي إلى أن انعدام الثقة في الحكومة المركزية قد يدفع بالمزيد من المواطنين إلى تبني الدولار كملاذ آمن، مما يعمق الفجوة بين الحكومة المركزية وقوات الدعم السريع، ويعزز الانقسام بين مناطق السودان المختلفة.
وفي ظل تصاعد التوتر بين الحكومة وقوات الدعم السريع، قد تتسبب هذه الأزمة في تعطيل تدفق السلع والخدمات بين الولايات، مما يزيد من معاناة السكان ويهدد الأمن الغذائي في البلاد. هذه التطورات تضع البلاد أمام خطر زيادة تفكك الدولة وتهديد وحدة أراضيها.
ماذا بعد؟
إن قرار تغيير العملة في هذا التوقيت الحرج يعكس حجم الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان. وبينما تسعى الحكومة المركزية لتحقيق استقرار اقتصادي عبر تغيير العملة، فإن رفض قوات الدعم السريع يضيف طبقة جديدة من التعقيد للأزمة. في نهاية المطاف، ستظل الأوضاع مرهونة بقدرة الطرفين على الوصول إلى حلول وسط تضمن استقرار النظام المالي ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية.