حرب السودان … الأزمة الاقتصادية تحكم حلقاتها فى جنوب السودان
بدأت أزمات السودان الاقتصادية تنتقل إلى دول الجوار بعد نحو أكثر من عام تعذر من خلالها التوصل إلى حلول تنهى النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع الذى بدأ فى أبريل من العام 2023م ، فانتقلت الأزمات الاقتصادية التى ظلت تحاصر السودان إلى دولة جنوب السودان التى تعتمد بنحو أكثر من 95 % من إيراداتها على النفط الذى توقف تصديره عبر موانئ السودان رغم المحاولات التي جرت بين جوبا والخرطوم لاستثناء النفط من الصراع الدائر فى السودان
ومع اشتداد أزمة السودان أعلنت شركة بتروناس “كبرى شركات النفط” انسحابها من دولة جنوب السودان بعد 14 عاما من العمل في الدولة الأفريقية
وقبل قرار الشركة، ألغت شركة “سافانا إنرجي” البريطانية صفقة لشراء أصول النفط والغاز المملوكة للشركة الماليزية في جنوب السودان، بقيمة 1.25 مليار دولار
وتعتمد دولة جنوب السودان فى إيراداتها على صادر النفط بنسبة تفوق ال95 % ومع توقف صادره دخلت جوبا فى أزمات اقتصادية متراكمة آخرها الإضراب العام الذي نفذه أساتذة المدارس لعدم صرف رواتبهم لمدة تجازوت العشرة أشهر ما ألقى بظلال سلبية على العملية التعليمية فى البلاد
قال وزير المالية والتخطيط بجنوب السودان، إن هناك صعوبات في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية بسبب ضعف الإيرادات الوطنية، وأضاف فى تصريحات صحافية أنه ليس لديه أموالاً كافية لسداد متأخرات رواتب موظفي الخدمة المدنية، مشيراً إلى أن الوزارة تواجه صعوبات في تحقيق الإيرادات مع توقف صادر النفط عبر الموانئ السودانية
وتغذي إيرادات نفط جنوب السودان الاقتصاد في هذا البلد بصورة كبيرة، وتعتمد عليها الحكومة في جوبا في تمويل تسيير المؤسسات الحكومية إلى جانب توفير بعض الخدمات مثل الكهرباء والوقود
ويبلغ إجمالي إنتاج جنوب السودان من النفط 170 الف برميل يوميا متراجعا عن 245 الف برميل بسبب الحرب الاهلية التي اعقبت انفصاله عن السودان في العام 2011م حيث كان انتاجه 350 الف برميل يوميا
ويمر نفط جنوب السودان بالأراضي السودانية عبر محطتي المعالجة والضخ الجبلين ونعيمة بولاية النيل الابيض قادما من ابار حوض ملوط ومحطة المعالجة والضخ فى “هجليج” بولاية جنوب كردفان من حقل ولاية الوحدة
ولا يزال جنوب السودان يعاني من الفقر على الرغم من الاحتياطيات النفطية الضخمة. ووصل معدل الفقر في جنوب السودان خلال السنوات الأخيرة إلى اكثر من 68 في المائة، حيث يعيش أكثر من 7 ملايين من سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 11 مليون نسمة بأقل من دولارين في اليوم
وفي الأثناء، حذر رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان نيكولاس هايسوم ، من تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في جنوب السودان، ولا سيما في ظل استمرار تردي الأزمة الإنسانية في البلاد بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي المزمن، ووزيادة لجوء نحو 750 ألف لاجئ ونازح داخلي من السودان
جاء ذلك خلال إحاطة قدمها هايسوم إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي الأربعاء، إستعرض خلالها إلى جانب تداعيات الأزمة الإنسانية، حالة الاقتصاد المتدهور بسرعة في البلاد والتي تفاقمت بسبب انهيار البنية التحتية واحتمال حدوث فيضانات عارمة الشهر المقبل، محذرا من أن هذه العاصفة المرتقبة لو حدثت ستمتد إلى ما هو أبعد من قدرات الأمم المتحدة
ولفتت مديرة قسم العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إيديم وسورنو إلى أن جنوب السودان يواجه أزمة انعدام أمن غذائي متزايدة بالإضافة إلى أزمتين مناخية واقتصادية، فيما يعاني من تأثير الصراع في السودان وتضاؤل الدعم المالي للاستجابة الإنسانية. وذكرت أن نقص التمويل لا يزال يعيق الاستجابة الكافية
خبراء اقتصاد قالوا إن دولة جنوب السودان ظلت تعتمد على السودان بعد انفصالها على اكثر من 70 سلعة من بينها سلع غذائية وانتاج محلى من الذرة والخضروات ولكن حرب السودان حولت المشهد الاقتصادي بدولة الجنوب الى جحيم في ظل الازمات المتراكمة والتي اثرت على مواطنيه وان الفجوة التي حدثت انعكست تلقائيا على دولة جنوب السودان عبر اللجوء اليها عبر الحدود المفتوحة وهذا بالتأكيد سيزيد من اعباء دولة جنوب السودان المأزومة اساسا
حذر الخبير الإقتصادي الدكتور أبراهام ماليت، كبير المستشارين في القطاع الإقتصادي بالحكومة الانتقالية بجنوب السودان فى تصريح صحفى من خطر انزلاق البلاد إلى كارثة إقتصادية في حال عدم اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة من وزارة المالية والتخطيط
وقال إن جنوب السودان يواجه أزمة اقتصادية حادة، حيث انخفضت قيمة العملة المحلية “الجنيه” بشكل حاد مقابل الدولار الأمريكي، مما أدى إلى وقوع البلاد في حالة تضخم حاد وتحديات إقتصادية كبيرة
وبين ان سعر صرف 100 دولار وصل لأكثر من 400 ألف جنيه جنوب السودان في السوق السوداء
وقال أبراهام ماليت، إن الحل الدائم للمشاكل الاقتصادية في جنوب السودان، يتطلب تعزيز الأمن وتنشيط الإنتاج الزراعي، مبينا أن الحلول قصيرة المدى للحد من التضخم تشمل التحصيل الفعال للإيرادات غير النفطية وتنفيذ إجراءات لحماية الأموال العامة من سوء الاستخدام
من جانبه، قال المواطن المقيم في جوبا، مايكل قاي إن الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن التضخم تركت تأثير عميق على الأسر في جنوب السودان واشار الى الفوضى الاقتصادية التى بدات تعم الاسواق وانفلات الاسعار بصورة غير مسبوقة وقال ان معظم السلع القادمة من يوغندا وكينيا اسعارها غالية ومرتفعة مؤكدا ان الجنوب فقد اهم الاسواق التى كانت تمده بالغذاء فى السودان نتيجة للحرب التى توقف على اثرها كل المنتجات وأشار إلى ارتفاع أسعار وتكاليف المياه، والنقل، في ظل عدم تقاضى موظفو الخدمة المدنية لرواتبهم لقرابة تسعة اشهر
وقرر عدد من الموظفين ترك الوظيفة العامة والحكومية والبحث عن طرق اخرى لكسب العيش حيث قالت اكول باكى وهى موظفة ترك مهنتها والعمل فى السوق من اجل الحصول على ثمن للمياه التى قالت انها تباع باسعار مرتفعة بالاضافة الى الصرف على اطفالها وتوفير لقمة عيش ومتابعة مصروفات والدتها المريضة، وقالت اكول إن راتبها لا يتعدى الـ 10 دولارات فى الشهر مع ارتفاع الأسعار وفوضى الأسواق وعدم وجود رقابة وقلة السلع الواردة إلى الإسواق بعد حرب السودان، كما أن أعداد اللاجئين ازدادت بصورة كبيرة فى الآونة الأخيرة فى جوبا، وهذا ما نلاحظه في الطريق العام وله انعكاساته على المعيشة
وسبق أن احتج أساتذة جامعات لعدم حصولهم على رواتب كما أن الدبلوماسيين والموظفين فى البعثات الخارجية للدولة لم يتلقوا رواتبهم ما أدى إلى طرد بعضهم من منازلهم لعدم تمكنهم من دفع الايجارات
ونقلت “اسوشيد برس” أن أحد أفراد القوات المسلحة بدولة الجنوب يدعى اكول دينغ قرر ترك وظيفته الحكومية والعمل فى تجارة الفحم
وقال مصدر حكومى مطلع بدولة جنوب السودان أن حكومته تأمل في تنويع إيراداتها من خلال السياحة وزراعة الفاكهة والخضروات وفق خطة معدة سيتم عرضها على البرلمان قريبا، اضافة الى أفكار جديدة من بينها طرح مشروعات استثمارية فى مجال العقارات والبنى التحتيه للشركات الكبيرة بجانب مشاريع للاستزراع السمكى والثروة الحيوانية