الأمن الغذائي في مهب الريح.. نداء من المزارعين: هل يتحول السودان إلى سلة غذاء خاوية؟
أثار المزارعون السودانيون مخاوف جدية بشأن الوضع الزراعي والأمن الغذائي في البلاد، إذ يحذرون من أن السودان مهدد بمجاعة وشيكة. وفي تصريحات لصحيفة «الغد السوداني»، أكد عدد من المزارعين أن معظم الأراضي الزراعية تحولت إلى أراضٍ جرداء بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة منها، مما أدى إلى هجرة المزارعين وتركهم للأراضي التي كانت في السابق مصادر إنتاج غذائي.
تحدث كمال ساري، مهندس زراعي ومزارع في مشروع الجزيرة، في مداخلة على تطبيق “واتس آب”، عن حالة من الإنكار من قبل المسؤولين فيما يتعلق بخطورة الوضع. وأوضح ساري أن المجاعة أصبحت واقعية بالنسبة للمزارعين والمواطنين، إذ أن المساحات التي لا تزال آمنة من الحرب قليلة جدًا، وما يتم إنتاجه بالكاد يكفي المناطق المحلية، حتى لو تم حصاد المحاصيل قبل وصول “المتفلتين” وسرقة ما تبقى من محصول.
يعاني السودان، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 48 مليون نسمة، من أزمة غذائية متفاقمة. ومع اضطرار ما يزيد عن 12 مليون شخص للنزوح عن منازلهم، أصبحت حياة الكثيرين تعتمد على المساعدات الإنسانية الدولية. ولكن رغم التقارير الصادرة عن منظمات دولية تحذر من مجاعة وشيكة، يصر بعض المسؤولين في الحكومة السودانية على إنكار هذه الحقائق، حيث قال السفير حسين الأمين الفاضل وكيل وزارة الخارجية في تصريحات إن “الشعب السوداني لن يجوع طالما أن هناك موسم زراعي”.
واقع الزراعة في مناطق النزاع
لكن الواقع الذي يعايشه المزارعون في مناطق النزاع يعكس صورة مغايرة تمامًا. في مشروع الجزيرة، أحد أهم المشاريع الزراعية في البلاد، أصبحت مساحات شاسعة من الأراضي خارج نطاق الإنتاج بسبب الحرب. وأشار ساري إلى أن هناك بعض المحاولات لزراعة مساحات صغيرة في المناطق الآمنة، لكنها لا تكفي لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة.
وفي ولاية سنار، أكدت التقارير المحلية أن قوات الدعم السريع نهبت مئات الآليات الزراعية، بما في ذلك التقاوى والأسمدة، مما أدى إلى شلل تام في الإنتاج الزراعي. وفي محلية الدندر، تم نهب حوالي 200 تراكتور زراعي، بالإضافة إلى بذور ومعدات زراعية أخرى، مما جعل الزراعة شبه مستحيلة في المنطقة.
أضرار السيول والفيضانات تزيد الطين بلة
إلى جانب تأثير الحرب والنزاع، تسببت السيول والفيضانات في تلف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ولاية شمال دارفور. ووفقًا لتقارير محلية، تم تقدير حجم الأضرار بحوالي 100 فدان من الأراضي الزراعية، مما يزيد من صعوبة تعافي القطاع الزراعي في تلك المناطق.
وفي ولاية جنوب كردفان، ذكر مزارعون أن حوالي 95% من المشاريع الزراعية لم يتمكنوا من زراعتها بسبب انتشار المسلحين في المناطق الزراعية، وهو ما أعاق العمل الزراعي بشكل شبه كامل.
تفاؤل محدود بموسم ناجح في الشرق
ورغم الصورة القاتمة للوضع الزراعي في معظم المناطق المتأثرة بالنزاع، أعلنت ولاية القضارف عن موسم استثنائي ناجح في زراعة الذرة والدخن والسمسم. وأوضح حسن زروق، الناطق الرسمي باسم الغرفة الزراعية بولاية القضارف، أن الموسم الحالي يعد من أنجح المواسم الزراعية منذ السبعينات، حيث تمت زراعة عشرة ملايين فدان، وهو ما يفوق ما كانت تخطط له وزارة الزراعة الاتحادية.
ويعزى نجاح هذا الموسم إلى التمويل الذاتي الذي قدمه المزارعون، إذ تم تمويل حوالي 1500 مزارع فقط من قبل الحكومة، في وقت يحتاج فيه القطاع الزراعي إلى تمويل أوسع لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء في البلاد.
توقعات مستقبلية قاتمة
بينما تستمر الحرب وتشتد الصراعات في السودان، تبدو آفاق المستقبل الزراعي للبلاد مهددة بشكل متزايد. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يواجه السودان أزمة جوع غير مسبوقة، حيث أشارت التقارير إلى أن أجزاءً من ولاية شمال دارفور قد دخلت فعليًا في حالة مجاعة.
وفي الوقت الذي يصر فيه بعض المسؤولين على استبعاد حدوث مجاعة في السودان، تبدو الحقائق على الأرض مغايرة تمامًا. فمع توقف المشاريع الزراعية الكبرى مثل مشروع الجزيرة، وغياب الأمن في المناطق الريفية، وتوقف الدعم الزراعي، تزداد احتمالات تفاقم الأزمة الغذائية في البلاد.
جهود دولية ومحلية للتخفيف من الأزمة
من جانب آخر، تسعى المنظمات الدولية إلى تقديم المساعدات العاجلة للسودانيين المتضررين من الحرب والجوع. وقد أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات متكررة بشأن الحاجة إلى وصول غير مقيد للمساعدات الإنسانية، وخاصة في المناطق التي تشهد نزاعات عنيفة.
وكانت تركيا والدول العربية مثل مصر والسعودية وقطر والكويت قد قدمت مساعدات إنسانية للسودان، في محاولة للتخفيف من حدة الأزمة الغذائية، لكن تظل الحاجة ماسة إلى دعم أكبر على مستوى الأمن الغذائي والتنمية الزراعية.
مستقبل مقلق
يظل السودان في مواجهة تحديات هائلة على مستوى الأمن الغذائي، إذ أن الحرب والنزاعات المستمرة أدت إلى تدهور القطاع الزراعي بشكل غير مسبوق. وعلى الرغم من محاولات الحكومة وبعض المسؤولين للتقليل من حجم الأزمة، فإن الواقع الذي يعانيه المزارعون يكشف عن مستقبل مقلق للسودان ككل.