
أغرب عادات الاحتفال برأس السنة حول العالم قديما وحديثا
الغدالسوداني-وكالات-منذ فجر التاريخ، لم يكتفِ الإنسان باستقبال العام الجديد بالصمت أو التأمل، بل أحاط هذه اللحظة الفارقة بطقوس واحتفالات، بعضها بسيط ومألوف، وبعضها الآخر بالغ الغرابة، حتى ليبدو خارجًا عن المألوف.
غير أن هذه الممارسات، على اختلافها، تكشف عن حقيقة واحدة، وهي أن رأس السنة لحظة إنسانية استثنائية، تدفع الشعوب إلى التعبير عن الأمل والخوف والرغبة في التجدد بطرق قد تبدو عجيبة في ظاهرها، لكنها عميقة الدلالة في جوهرها.
في العصور القديمة، ارتبطت غرابة الاحتفالات برأس السنة بالخوف من المجهول، ومحاولة استرضاء القوى الغيبية، ففي حضارات وادي الرافدين، كان الناس يعتقدون أن مصير العام الجديد يتحدد في أيامه الأولى؛ لذا لجأوا إلى طقوس رمزية وقرابين تعبيرًا عن الرجاء في عام آمن ومستقر، ولم تكن هذه الطقوس نابعة من القسوة بقدر ما كانت انعكاسًا لهشاشة الإنسان القديم أمام الطبيعة وتقلباتها.
أما في روما القديمة، فقد اتخذت غرابة الاحتفال طابعًا اجتماعيًا لافتًا، حيث سُمح للعبيد، خلال أيام محددة من رأس السنة، بتبادل الأدوار مؤقتًا مع أسيادهم، وكان هذا القلب الرمزي للنظام الاجتماعي تعبيرًا عن فكرة عميقة مفادها أن الزمن الجديد يمنح فرصة لإعادة التوازن، ولو لساعات قليلة، وكأن المجتمع يعترف بأن التغيير، وإن كان مؤقتًا، يظل ممكنًا.
وفي بعض الحضارات الشرقية القديمة، ظهرت عادات تقوم على إحداث ضجيج متعمد في ليلة رأس السنة، باستخدام الطبول والنار والأصوات العالية، اعتقادًا بأن الأرواح الشريرة تنشط عند تبدل الأعوام. ولم يكن الهدف من هذا الصخب الاحتفال في حد ذاته، بل الحماية، إذ رأى الإنسان القديم أن بداية العام تمثل لحظة صراع غير مرئي بين الخير والشر.
ومع العصور الوسطى، لم تختفِ مظاهر الغرابة، بل أُعيد تشكيلها بما يتناسب مع الواقع الاجتماعي آنذاك، ففي عدد من المناطق الأوروبية، اعتاد الناس إشعال نيران كبيرة في الساحات العامة ليلة رأس السنة، إيمانًا بأن النار تطهر ما علق بالعام المنصرم من شرور ونحس، وفي أماكن أخرى، انتشرت عادة كسر الأواني القديمة أمام المنازل، في مشهد صاخب يرمز إلى التخلص من الماضي الثقيل واستقبال المستقبل بخفة وأمل.
وفي شمال أوروبا، حيث يطول الشتاء ويشتد الظلام، لجأ الناس إلى طقوس تجمع بين الغرابة والتفاؤل، مثل صهر المعادن وسكبها في الماء، ثم محاولة قراءة المستقبل من الأشكال الناتجة، ورغم بساطة هذه الممارسة، فإنها تعكس حاجة إنسانية أصيلة إلى استكشاف المجهول، خاصة في لحظة انتقالية كالتي يمثلها رأس السنة.
أما في العصر الحديث، فقد اتخذت غرابة الاحتفالات أشكالًا أكثر جرأة وطرافة، ففي بعض الدول، يستقبل الناس العام الجديد بالقفز من أماكن مرتفعة نسبيًا، أو بتحطيم أشياء قديمة، تعبيرًا عن القطيعة مع الماضي والدخول الحاسم إلى المستقبل.
وفي أماكن أخرى، تتحول ليلة رأس السنة إلى مهرجان جماعي للطعام، حيث يُعتقد أن تناول أصناف بعينها في اللحظات الأولى من العام الجديد يجلب الحظ الجيد والرخاء.
وفي شرق آسيا، لا تزال بعض المجتمعات تحافظ على عادات غريبة تعود إلى قرون مضت، مثل تنظيف البيوت تنظيفًا شاملًا قبل بداية العام، مع الامتناع عن التنظيف بعد دخوله مباشرة، اعتقادًا بأن ذلك يمنع «كنس الحظ» خارج المنزل، ورغم طابعها البسيط، تعكس هذه العادة تصورًا عميقًا للعلاقة بين النظام المادي والاستقرار المعنوي.
وفي أمريكا اللاتينية، تبلغ غرابة الاحتفالات ذروتها في بعض المناطق، حيث يرتدي الناس ملابس داخلية بألوان محددة ليلة رأس السنة، لكل لون منها دلالة رمزية مرتبطة بأمنيات مثل الزواج أو الثراء أو الصحة، وعلى الرغم من الطابع الساخر لهذه العادة، فإنها تعبر عن محاولة شعبية للتحكم الرمزي في المصير، ولو عبر تفاصيل صغيرة.
ولا تخلو القارة الإفريقية من احتفالات لافتة، إذ تستقبل بعض المجتمعات العام الجديد بطقوس جماعية تشمل الرقص لساعات طويلة، أو السير حُفاة لمسافات معينة، في إشارة إلى الصبر والقوة والاستعداد لمواجهة تحديات العام المقبل، وفي هذه الطقوس، تختلط الأسطورة بالحياة اليومية، في مشهد يعكس عمق الارتباط بين الإنسان والزمن.
وفي مصر، ورغم أن الاحتفال برأس السنة يتسم في عمومه بالهدوء مقارنة ببعض الدول، فإن له طابعه الخاص الذي يجمع بين البساطة والتأمل. فالمصريون، بحكم تاريخهم الطويل مع الزمن والتقويم، يميلون إلى استقبال العام الجديد بالأمل أكثر من الانغماس في الطقوس الغريب، وتبقى السهرات العائلية، وتبادل التهاني، ومتابعة اللحظات الأولى من العام الجديد، أبرز مظاهر هذه المناسبة، بما تحمله من معانٍ إنسانية دافئة.
وتكشف هذه الجولة بين أغرب احتفالات رأس السنة حول العالم أن الغرابة ليست في الفعل ذاته، بل في معناه. فما يبدو غير مألوف في ثقافة ما، قد يكون تعبيرًا صادقًا عن الخوف أو الرجاء أو الرغبة في التغيير داخل ثقافة أخرى. فالإنسان، في تلك اللحظة الفاصلة بين عامين، يصبح أكثر ميلًا للرمز، وأكثر استعدادًا للإيمان ببداية جديدة.
وفي الختام، ورغم اختلاف الشعوب في طرق استقبالها لرأس السنة، بين الغرابة والطرافة والهدوء، يبقى المعنى الإنساني واحدًا، وهو الأمل في بداية جديدة تحمل الخير والاستقرار، ومع انطلاق عام جديد، نتمنى أن يكون عامًا مليئًا بالسلام والعمل والنجاحات، وأن يحمل أيامًا أفضل للجميع، وكل عام وأنتم بخير.
نقلا عن لوابة الاهرام
