
نبوءة على الخشب والمرسيدس: قصة شاب غاني وعد بإنقاذ 600 مليون إنسان من الطوفان
الخرطوم، الغد السوداني – في زمنٍ باتت فيه النبوءات تُبث عبر “تيك توك”، وتُحجز مقاعد النجاة عبر “الإنستغرام”، خرج شاب غاني يُطلق على نفسه لقب “إيبوه نوح” ليعيد إلى الواجهة واحدة من أقدم قصص الخلاص البشري… ولكن بنكهة العصر الرقمي.
إيبوه نوح، أو إيبو جيسوس كما يعرّف نفسه أحياناً، يبلغ من العمر 30 عاماً، ويدّعي أنه تلقّى “رسالة إلهية” تأمره ببناء سفن استعداداً لطوفان كوني سيغرق العالم، ويبدأ – بحسب زعمه – في 25 ديسمبر، ليستمر المطر ثلاث سنوات متواصلة، في مشهد يعيد إنتاج قصة النبي نوح، ولكن خارج النصوص المقدسة، وداخل خوارزميات المنصات الاجتماعية.
منذ أغسطس الماضي، لم يتوقف الشاب الغاني عن نشر مقاطع فيديو يظهر فيها مرتدياً لباساً خشناً أشبه بملابس الزهّاد، وهو يقف وسط أكوام من الخشب وقوارب صغيرة، مؤكداً أنها ستكون “طوق نجاة” لما لا يقل عن 600 مليون شخص حول العالم، إضافة إلى الحيوانات، التي لم يوضح كيف ستُنقذ أو أين ستُؤوى.
ورغم التناقض الصارخ بين حجم “السفن” البدائية التي ظهرت في المقاطع، وضخامة الطوفان المزعوم، إلا أن الدعوة لاقت رواجاً لافتاً. مئات الآلاف تابعوا حساباته على “تيك توك” و”إنستغرام” و”يوتيوب”، وآلاف صدّقوا الرواية، إلى حد أن بعضهم – وفق تقارير إعلامية – باع منازله وممتلكاته، بينما تبرع آخرون بأموالهم مقابل “حجز مكان” على متن السفينة المنتظرة.
مشاهد التجمهر حول موقع البناء، وانتشار مقاطع لأشخاص يبدون استعدادهم لترك حياتهم خلفهم، أعادت طرح أسئلة قديمة جديدة حول هشاشة الوعي الجمعي في زمن الأزمات، وكيف تتحول المخاوف الوجودية إلى وقود لنبوءات شعبوية.
السلطات الغانية لم تقف مكتوفة الأيدي. قبيل الموعد المعلن للطوفان، ألقت القبض على “النبي المزعوم” بتهمة نشر أخبار كاذبة وتضليل الرأي العام، قبل أن تطلق سراحه لاحقاً، في خطوة لم تُنهِ الجدل، بل زادته اشتعالاً.
وقبل الموعد المفترض للطوفان، نشر إيبوه نوح مقطع فيديو أثار موجة سخرية واسعة: يظهر فيه وهو يقود سيارة “مرسيدس-بنز” فاخرة، مرتدياً اللباس ذاته المصنوع من الخيش، ويخاطب متابعيه قائلاً:
“لقد صمت ثلاثة أسابيع، صليت، دعوتكم للتوبة، وتضرعت من أجل غانا والعالم… ما سيحدث هو قضاء الله وقدره”.
الصورة، بالنسبة لكثيرين، كانت كافية لنسف ما تبقى من “قدسية” الرواية، وفتحت باب التشكيك في الدوافع المالية وراء الدعوة، خاصة مع تزايد الحديث عن التبرعات.
ومع انقضاء يوم 25 ديسمبر من دون أن تمطر السماء، عاد “إيبو نوح” ليقدم تفسيراً جديداً: الطوفان لم يُلغَ، بل تأجّل بأمر إلهي، لإتاحة الوقت لبناء المزيد من السفن، بعد “الزيادة الكبيرة” في عدد الراغبين في النجاة.
وطلب من أتباعه البقاء في منازلهم، والاستمتاع بعطلة عيد الميلاد، إلى أن يكتمل بناء السقف.
هكذا، تحولت نبوءة نهاية العالم إلى مسلسل مفتوح الحلقات، بطلُه شاب يعرف جيداً كيف يُمسك بخيوط الخوف، ويعيد تدويرها محتوىً قابلاً للمشاركة… والإيمان.
