زفاف القضارف: من “ترند” ساخر إلى شريان حياة… كيف أعادت حرب السودان الاعتبار للحمير؟

سهام صالح

صحفية سودانية

أثار مقطع فيديو متداول من ولاية القضارف شرق السودان جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما ظهر عريس يزف عروسه على ظهر حمار، في مشهد صادم للبعض، ومعبّر للبعض الآخر. في زفاف القضارف، لم يكن المشهد مجرد مناسبة اجتماعية، بل مدخلاً لنقاش أوسع حول التحولات التي فرضتها الحرب على حياة السودانيين.

بين من رأى في المشهد بساطةً وعفويةً تفرضها الظروف الاقتصادية القاسية، ومن اعتبره خروجاً عن “هيبة المناسبة”، تحوّل الزفاف سريعاً إلى مادة للسخرية والتنمر الرقمي، قبل أن يتدخل ناشطون مطالبين باحترام الخصوصية الإنسانية، والتوقف عن محاكمة الناس وفق معايير رفاه لم تعد قائمة.

لكن، بعيداً عن الجدل السطحي، أعاد هذا المشهد فتح سؤال أعمق:

كيف تغيّرت حياة السودانيين بعد أكثر من اثنين وثلاثين شهرًا على اندلاع الحرب؟

الحمار… وسيلة زفاف ونجاة معاً

بعد عشرة أشهر فقط من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم يعد الحمار مجرد رمز للفقر أو البساطة، بل تحوّل إلى وسيلة نقل أساسية، بل وبديل فعلي لسيارات الإسعاف في عدد من الولايات.

في مدينة تمبول بولاية الجزيرة، جنوب الخرطوم، اختفت سيارات الإسعاف من المرائب المخصصة لها. لم تُسرق فقط، بل تعطلت بسبب نقص الوقود وغياب الصيانة، ليحل مكانها “الكارو” الذي تجره الحمير.

يقول مجزوب عبدو، أحد سكان المدينة:

“عربات الحمير هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لنقل المرضى إلى المستشفيات… بدونها يموت الناس في بيوتهم”.

حين تنهار الدولة… تتقدّم الحيوانات

في مشهد يعكس الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية، أصبحت الحمير ووسائل النقل البدائية شريان حياة للمدنيين في السودان، تماماً كما حدث في قطاع غزة خلال فترات الحصار والحرب.

لم يعد استخدامها مقتصراً على نقل البضائع، بل امتد إلى:

نقل المرضى والجرحى، بما في ذلك حالات الولادة الطارئة ومرضى غسيل الكلى.

إخلاء العائلات من مناطق الاشتباكات إلى مناطق أكثر أماناً.

تأمين الغذاء والمياه في ظل انقطاع سلاسل الإمداد.

في بلد يعاني من انهيار العملة، وشح الوقود، وانتشار النهب، بات الحمار وسيلة نقل لا تحتاج إلى وقود، ولا تثير انتباه المسلحين، ولا تُسرق بسهولة.

من التنمّر إلى الفهم: ما الذي نضحك عليه؟

اللافت أن ذات الحيوان الذي سُخر منه في “زفاف القضارف”، هو نفسه الذي ينقذ الأرواح يومياً في ولايات أخرى.

هذا التناقض يعكس فجوة كبيرة بين النقاش الرقمي الساخر، والواقع القاسي الذي يعيشه ملايين السودانيين.

يرى باحثون اجتماعيون أن الجدل حول الزفاف لا يمكن فصله عن السياق العام للحرب، حيث تغيّرت معايير “الطبيعي” و”اللائق”، وأصبحت الأولوية للبقاء لا للمظاهر.

زفاف على حمار… مرآة لبلد بأكمله

لم يكن زفاف القضارف حدثاً غريباً بقدر ما كان مرآة مكثفة لواقع السودان اليوم:

بلد تراجع فيه كل شيء، من الدولة إلى الخدمات، لكن الناس ما زالوا يتزوجون، ويُنقذون مرضاهم، ويواصلون الحياة بما توفر.

في زمن الحرب، لا يصبح السؤال:

لماذا تزوج على ظهر حمار؟

بل:

كيف لا يزال هذا الشعب قادراً على الاستمرار؟

2 تعليقات
  1. علم سابل يقول

    تحية كبيرة واحترام للصحفية /سهام صلاح.
    اختيار موفق ومعالجة اوفق .يبدو أنها مؤهلة ومثقفه. التحية لكنداكات بلادي.
    بالبلدي ما خلت حاجة .لا التنمر .لا تراجع الرفاهية. لا دور الحمير في مناطق الاشتباكات ومناطق انحسار الخدمات .لا الدعوة لاحترام الخصوصية

  2. […] صادرت فيه الحرب السودانية المعنى البسيط للفرح، وبدلت طقوس الزواج من احتفال جماعي إلى فعل نجاة، انتشرت على وسائل التواصل […]

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.