
جسد على المسرح ونار على السوشيال ميديا: عرض محمد تروس يشعل جدلاً سودانياً واسعاً
كمبالا، الغد السوداني- فجّر عرض مسرحي للفنان السوداني محمد تروس، قُدّم خلال احتفال للجالية السودانية في أوغندا، جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن نزع خلاله بعض ثيابه على خشبة المسرح، في مشهد صادم انقسمت حوله القراءات بين من رآه فعلاً فنياً رمزياً، ومن اعتبره تجاوزاً صريحاً للأعراف الاجتماعية.
المشهد، الذي وثقته مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع بين السودانيين داخل البلاد وخارجها، لم يبقَ في إطار حدث فني عابر، بل تحوّل سريعاً إلى ساحة نقاش محتدمة حول حدود التعبير الفني، ودور الصدمة في إيصال الرسائل، والسياق الأخلاقي والاجتماعي الذي يُستقبل فيه الفن.
- جسد على المسرح… ورسائل متضاربة
الاحتفال، الذي حضره جمهور كثيف من الجالية السودانية وشارك فيه فنانون وشعراء، كان مخصصاً للغناء والاحتفاء بالهوية الثقافية، قبل أن ينقلب مساره مع لحظة نزع الثياب، التي خطفت الأضواء وأربكت الجمهور.
بين من رأى في الفعل استعارة بصرية لمعاناة السودان تحت وطأة الحرب والانقسام، ومن اعتبره فعلاً صادماً خارج سياقه، بدا أن الجسد نفسه تحوّل إلى لغة سياسية وفنية مثقلة بالتأويل.
- منصات التواصل… نقاش بلا ضفاف
على وسائل التواصل الاجتماعي، انقسمت الآراء بحدة.
فبعض المعلقين رأوا أن الفنان “أراد قول شيء كبير بأسلوب خاطئ”، بينما اعتبر آخرون أن “الواقع السوداني أشد قسوة من أي مشهد صادم”، وأن الاعتراض الأخلاقي يتجاهل المأساة الأكبر.
في المقابل، عبّر معارضون عن رفضهم لما وصفوه بـ“الاستفزاز المجاني”، معتبرين أن المناسبة العامة لا تحتمل صدمات من هذا النوع، وأن الرسائل السياسية لا تبرر خرق الأعراف.
- “المسرح السياسي أفظع من المسرح الفني”
الصحافي السوداني محمد عبد الماجد، علّق لـ“العربية.نت” على الجدل بالقول إن ما يجري على المسرح السياسي في السودان “أشد فظاعة” مما يحدث على خشبة المسرح الفني، معتبراً أن كثيراً من الانتقادات خرجت من سياقها النقدي الفني، وانزلقت إلى اصطفافات سياسية واضحة.
وأوضح عبد الماجد أن تصرّف تروس قُرئ بعيون سياسية أكثر منها فنية، مشيراً إلى أن الفنان، في العادة، لا ينتظر إجماعاً بقدر ما يسعى لقول كلمته، مضيفاً أن “واقع الحرب والدمار في السودان أولى بالمساءلة من فعل فني عابر”.
- قراءة نقدية: صدمة نجحت… ورسالة تعثّرت
من جانبه، قرأ الناقد السوداني هيثم أحمد الطيب ما حدث في حديثة لـ“العربية.نت” بوصفه فعلاً من أفعال الفن الأدائي، مشيراً إلى أن الجدل انحرف سريعاً من سؤال “هل هذا مسرح؟” إلى محاكمة أخلاقية تستند إلى الأعراف الشعبية.
ويرى الطيب أن تروس حاول صناعة “صدمة عالية التأثير” لتحريك الرأي العام تجاه قضية الحرب، وأنه نجح فعلاً في إشعال نقاش واسع، لكن المفارقة، بحسب رأيه، أن النقاش تمحور حول فعل التعري نفسه، لا حول القضية التي أراد الفنان لفت الانتباه إليها.
ويخلص الطيب إلى أن “مشروع الصدمة أخفق في تحقيق هدفه الأساسي”، لأن الحديث عن السلام والحرب ظل هامشياً مقارنة بالجدل الأخلاقي، ما جعل الرسالة تتوارى خلف الفعل.
- فن على حافة المجتمع
محمد تروس ليس اسماً جديداً في المشهد الثقافي السوداني؛ إذ ارتبطت أعماله سابقاً بقضايا اجتماعية والحراك الشعبي، ما جعل أي خطوة صادمة تصدر عنه محمّلة بتوقعات أعلى، وانتقادات أشد.
وتعيد هذه الواقعة طرح السؤال القديم حول علاقة الفن بالمجتمع:
هل يُفترض بالفن أن يصدم ليوقظ الوعي؟ أم أن الصدمة قد تبتلع الرسالة نفسها؟
في بلد يعيش واحدة من أعقد أزماته، يبدو أن الجدل حول فعل فني واحد كشف هشاشة التوازن بين التعبير والقبول الاجتماعي، وبين الرغبة في كسر الصمت، والخوف من كسر القيم.
