(الدَّانة ولا الإهانة)!!

جرأة قلم

دارالسلام علي

 

وسط كل المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني من نزوح، ولجوء، وتشتت، تضاف إليه أعباء أخرى لا تقل قسوة عن الحرب اللعينة، وهي حرب الرسوم الدراسية التي ارتفعت بشكل جنوني دون أي مراعاة لأحوال الأسر. منذ أشهر، نستيقظ كل يوم على أزمة جديدة تثقل كاهل الشعب السوداني، المحترق سلفاً بما فقد من مال وأعمال ومنازل. ومع ذلك، يواصل بعض مسؤولي التعليم في بلادنا في تسهيل استغلال مستثمري التعليم، حيث أصبح التعليم تجارةً واستثماراً ناجحاً، تغذيه نار الرسوم الدراسية المرتفعة، التي تزيد من أوجاع المواطن السوداني المغلوب على أمره. وكل هذا يحدث بموافقة وزراء التعليم، الذين سمحوا للفوضى التي يفتعلها مدراء الجامعات والمدارس، خصوصاً تلك التي فتحت نوافذها للتعليم الإلكتروني في عدة دول.

 

هؤلاء الأشخاص لا يدركون الوضع المعيشي والاقتصادي والنفسي الذي يعانيه المواطن اللاجئ، الذي يكافح من أجل توفير لقمة عيش وحليب لأطفاله، بينما يواجه دوامة سداد الإيجارات والمصاريف المعيشية. وفي ظل هذا، يصدر مدير جامعة أو مدرسة، وهو جالس على كرسيه المريح يرتشف قهوته، قراراً مجحفاً يفتقد لأي رحمة، بفرض مبالغ خيالية على الطلاب بالدولار الأمريكي، الذي يفوق قدرات أي أسرة عادية.

 

مؤخراً، دعت 10 روابط وجمعيات طلابية بجامعة الخرطوم الطلاب في المراكز الخارجية إلى الامتناع عن سداد رسوم الامتحانات حتى تعيد الجامعة النظر في قراراتها وأوضاع الطلاب. وقد فرضت إدارة الجامعة مبلغ 100 دولار على طلاب الكليات النظرية، و150 دولاراً على طلاب الكليات التطبيقية، و200 دولار على طلاب المستوى الخامس والسادس بكلية الطب لأداء الامتحانات في المراكز الخارجية. وفي الأيام الماضية، فرضت جامعة الرباط الوطني رسومًا دراسية على طلاب كلية طب الأسنان بنحو 900 دولار، مطالبةً بدفعها في أسبوع واحد فقط، وإلا سيُحرم الطلاب من الدراسة الإلكترونية.

 

غالبية الأسر في تلك الدول تعاني أوضاعاً مادية سيئة، وهي تحت رحمة تجار العملة الذين يتحكمون في أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني. هؤلاء التجار، أكثر فساداً من مستثمري التعليم، يستغلون الشعب السوداني دون رحمة، مما دفع كثيراً من المواطنين إلى العودة إلى موطنهم رغم عدم استتباب الأمن والاستقرار، رافعين شعار “الدانة ولا الإهانة”، هرباً من جحيم تجار الأزمات.

 

احتجاجات الطلاب المستمرة على زيادة الرسوم الدراسية وامتناع بعضهم عن مواصلة تعليمهم، ستؤدي إلى عواقب وخيمة على الدولة، إذ سيتأثر قطاع التعليم في السودان، وقد يصبح التعليم حكراً على الفئة الميسورة فقط. هذا الوضع قد يؤدي إلى تفاقم السلوكيات السلبية والانحرافات. لذلك، يجب على الدولة التدخل فوراً لوقف فوضى الرسوم الدراسية في الجامعات والمدارس، وفرض رسوم تتناسب مع مستوى دخل المواطنين وظروفهم المعيشية، خصوصاً في ظل الوضع الراهن الذي يعيشه السودان. ما تفعله بعض الجامعات والمدارس يشكل عقبة إضافية أمام حصول الطلاب على التعليم، في ظل غياب الرقابة الحكومية وتراخي وزارات التعليم، ما دفع كثيراً من الطلاب للتخلي عن مواصلة تعليمهم قسراً.

 

جرأة أخيرة:

سيأتي يوم قد نصبح فيه بلداً أمياً بسبب جشع هؤلاء. لذا، يجب وضع حد لهذه الفوضى، خاصة ونحن في مرحلة بناء دولة جديدة. فالأمم تُبنى بالتعليم أولاً، يا سادة مسؤولي التعليم في مختلف المستويات!