الرصاص الطائش: ليالي الخرطوم محملة برائحة البارود!

سهام صالح

صحفية سودانية

“لا أعلم هل ستكون نهايتي بهذه الطريقة” كابوس يقلق مضاجع سكان الخرطوم، حيث تتجلى قسوة الحرب وآثارها، يواجه السكان كابوساً مستمراً: الرصاص الطائش. منذ اندلاع الصراع في السودان قبل أكثر من عام، وقال عدد كبير من المواطنين تحدثوا لـ«الغد السوداني»: أصبح الموت المفاجئ جزءاً من حياة سكان العاصمة، لا يميز بين من يسير في الشارع أو من يأوي إلى فراشه ليلاً. الرصاص الطائش لا يستثني أحدًا، محولاً لحظات السكينة إلى فوضى مروعة.

أحمد، رجل في الستينيات من عمره، كان يعيش هذا الخوف يومياً. كان يقول لأسرته: “الموت يحيط بنا، مثل سوار في معصم”. كان يدرك حجم الخطر، لكنه لم يكن يعلم أن نهايته ستكون بتلك الطريقة المأساوية. بينما كان مستلقيًا في سريره، اخترقت رصاصة طائشة جبينه، لتسقطه طريح الفراش في غرفة العناية المركزة لأسابيع قبل أن يفارق الحياة.

 

جدران الأمان الهشة

في منطقة جنوب الحزام بالخرطوم، يتكرر هذا السيناريو بشكل يومي تقريباً. السكان هناك يصفون لياليهم بأنها محملة برائحة البارود وأصوات الرصاص، ولا أحد يعرف مصدره. خلال الشهر الماضي، قُتل حوالي 20 شخصاً بسبب هذا الرصاص الطائش، في حين أصيب آخرون بإصابات دائمة غير قادرين على تلقي العلاج.

نسرين الطيب، شابة كانت تتحدث مع أسرتها في منزلهم، عندما اخترقت رصاصة طائشة جدار الأمان وحولت لحظات السعادة إلى مأساة. لحظات من الصراخ والذهول تبعتها، ولفتها حالة من الحزن والحداد. زكريا أحمد، هو الآخر ضحية لرصاصة طائشة أصابته أثناء سيره مع صديقه، ليفقد الوعي ويسقط مضرجًا بدمائه. وبعد معاناة دامت ثمانية أسابيع، توفي متأثراً بجراحه.

 

رعب وضحايا مجهولين

ما يزيد من رعب هذا الوضع هو الازدياد المستمر في عدد الضحايا المجهولين الذين تملأ جثثهم المشارح. سكان الخرطوم باتوا يتجنبون الأماكن العامة والشوارع، ويلجؤون إلى الاحتماء بجدران المنازل عند سماع أصوات الرصاص، حتى وإن كانت بعيدة، خوفاً من الموت المفاجئ.

القلق والخوف من الرصاص الطائش تجاوزا الحدود الجسدية ليؤثرا على الصحة النفسية للسكان. قلة النوم والخوف من النوم نفسه باتت ظاهرة منتشرة. السكان يصفون لياليهم بأنها مليئة بالأرق والتوتر، إذ يشعرون أن الموت قد يأتيهم وهم نائمون.

 

واقع مرير

الظاهرة ليست نتيجة عشوائية، بل هي نتاج عوامل عدة، منها تفاقم الصراع المسلح الذي شهدته البلاد خلال العام الماضي. إضافةً إلى انتشار السلاح بشكل عشوائي واستخدامه في المناسبات الاجتماعية، حيث يُطلق الرصاص في الهواء تعبيراً عن الفرح أو النصر، دون مراعاة للخطر الذي يسببه. كما أن حالة الانفلات الأمني وغياب الجهات التي يمكنها وضع حد لهذه الممارسات يجعل الأوضاع أكثر سوءاً.

التقارير الصادرة من غرف طوارئ ولاية الخرطوم تعكس جزءًا بسيطًا من الواقع المرير. هذا الرصاص الطائش لا يقتل الجسد فحسب، بل يدمر الأرواح ويدفع الناس إلى العيش في دوامة من الخوف والقلق.