
حين تكسو الثلوج قلب الصحراء: ماذا حدث في نجد ولماذا يصعب تكراره؟
الرياض، الغد السوداني– في مشهد بدا أقرب إلى خيال مناخي، استيقظت منطقة نجد في وسط السعودية على تساقط ثلوج قطنية نادرة، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من ثلاثة عقود. الحدث، الذي باغت السكان وأعاد فتح أسئلة قديمة–جديدة عن تغيّر المناخ وحدود «الطبيعة المستقرة» في الجزيرة العربية، جاء نتيجة تلاقي خمسة شروط جوية دقيقة قلّما تجتمع فوق وسط البلاد.
نجد، التي تضم العاصمة الرياض ومنطقتي القصيم وحائل، ارتبط اسمها تاريخياً بالحرارة الشديدة والتباين القاسي بين ليلٍ بارد ونهارٍ حارق. لذلك، فإن ما شهدته الأيام الماضية لا يُقرأ كحدث عابر، بل ككسر نادر لقاعدة مناخية استمرت عقوداً، حيث تساقط الثلج هذه المرة على هيئة ندف خفيفة تشبه القطن، لا البرد الجليدي الذي عرفته المنطقة في حالات متفرقة.
خمسة شروط… وحدث واحد
ونقل موقع «اندبندنت عربي» عن أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم، عبدالله المسند، قوله إن هذه الظاهرة تُعد من أعقد حالات الطقس في السعودية، موضحاً أن «الثلج القطني» لا يتشكل إلا إذا ظلت البلورات الجليدية متجمدة منذ لحظة تشكّلها داخل السحب وحتى وصولها إلى سطح الأرض، وهو أمر نادر يتطلب تزامناً دقيقاً بين خصائص طبقات الجو العليا والسفلى.
ويحدّد المسند خمسة شروط رئيسة لحدوث هذه الحالة:
- أن تنخفض درجة الحرارة السطحية إلى درجتين مئويتين أو أقل.
- ارتفاع الرطوبة النسبية في الطبقات السطحية والعلوية.
- وصول درجة حرارة نقطة الندى إلى الصفر المئوي.
- انخفاض الحرارة على ارتفاع 1.5 كيلومتر إلى نحو خمس درجات تحت الصفر.
- هبوطها على ارتفاع خمسة كيلومترات إلى قرابة 27 درجة مئوية تحت الصفر.
اجتماع هذه الشروط، بحسب خبراء، يُعد استثناءً مناخياً في وسط السعودية، حيث غالباً ما تمنع الطبيعة الجافة ودرجات الحرارة المتفاوتة تشكّل هذا النوع من الهطول.
لماذا ليس غريباً… لكنه نادر
رغم دهشة المشهد، فإن الثلوج ليست ظاهرة غريبة تماماً على السعودية. فالمناطق الشمالية والجنوبية، خصوصاً المرتفعات، تعرف موسماً شتوياً قد يحمل الثلج سنوياً، كما في جبل اللوز بمنطقة تبوك، الذي يُعد أحد أشهر مواقع تساقط الثلوج في البلاد.
لكن المختلف هذه المرة هو المكان: نجد، قلب الجزيرة العربية، حيث لم تُسجّل حالات مشابهة بهذه الصورة منذ عام 1993، وفق توثيقات مناخية. وحتى العاصمة الرياض، لم تشهد سوى تساقطات خفيفة جداً عام 1973، بقيت استثناءً في سجل الطقس المحلي.
الثلج والصحراء… علاقة هشّة
ما حدث في نجد يعيد النقاش حول التحولات المناخية العالمية، التي لم تعد تقتصر على ذوبان الجليد أو ارتفاع منسوب البحار، بل باتت تُترجم في «اختلالات مفاجئة» داخل أنظمة مناخية مستقرة تاريخياً. مدن حارة حول العالم، من ميامي الأميركية إلى بغداد والقاهرة، شهدت عبر العقود موجات برد قصوى أو تساقطات ثلجية نادرة، في مؤشرات على عالم مناخي أقل قابلية للتنبؤ.
ورغم أن الخبراء يستبعدون تكرار المشهد قريباً، فإن الثلج الذي غطّى أجزاء من نجد ترك أثراً أبعد من البياض المؤقت: أسئلة مفتوحة عن المستقبل المناخي للمنطقة، وعن مدى استعداد المجتمعات الصحراوية لطقس لم يكن يوماً جزءاً من ذاكرتها اليومية.
