استهداف الصوماليين في دول المهجر
بقلم: أدم زكريا
سياتل، ولاية واشنطن
في الآونة الأخيرة يتعرض الأخوة الصوماليون عامة وخاصة عضو الكونغرس الأمريكي النائبة إلهان ( أي إلهام حيث عرفت مؤخرا أن الصوماليين يقلبون الميم نونا في الأسماء التي تنتهي بالميم) عمر لهجمة شرسة من قبل الإعلام اليميني المحافظ في أمريكا الشمالية وأوروبا وأجزاء من العالم العربي والجاليات العربية في دول المهجر لاسيما في الولايات المتحدة، نظرًا لتداخل هوياتهم المتعددة فهم سود، وأفارقة، ومسلمون، ولاجئون، وفيهم فقراء. ويستغل السياسيون والمعلقون هذا التداخل لاثارة مخاوف أوسع نطاقًا تتعلق بالأمن والهجرة والعرق والتغير الثقافي فيعيدون إنتاج العنصرية ضد السود، وإثارة المشاعر المعادية للاجئين، وتوجهاتهم السياسية اليمينية.
وصل العديد من الصوماليين كلاجئين أو مهاجرين من ذوي الدخل المحدود، مما يجعلهم عرضةً للصور النمطية السائدة في الخطاب اليميني حول الهجرة والتدهور الحضري، والتي تُصوّرهم على أنهم يعيشون في عزلة وفقر. كما أن تركيز الجاليات الصومالية في مدن محددة مثل مينيسوتا في الولايات المتحدة يجعلهم هدفًا واضحًا للسياسات الانتخابية وكبش فداء. وقد استخدم السياسيون خطابًا تحريضيًا يصوّر الصوماليين على أنهم يدمرون المجتمعات بثقافتهم المغايرة أو اتهامهم بأنهم لا يُساهمون بشيء، الأمر الذي يُحفّز القواعد الشعبية المعادية للمهاجرين ويتماشى مع الروايات الأوسع التي تُصوّر المهاجرين المسلمين على أنهم تهديد للأمن والثقافة والموارد العامة.
وعندما يبرز سياسيون أو ناشطون صوماليون مثل إلهان/م عمر فإنهم يجذبون مزيدًا من العداء لأنهم يرمزون إلى التغيير الديموغرافي والسياسي الذي تعارضه حركات اليمين المتطرف، ويتم استغلال ذلك وترميزهم كمهاجرين مسلمين خطرين وسود غير مستحقين للمساعدات المالية، محولين بذلك المجتمع الأمريكي المتنوع إلى مجتمع يُثار فيه مشاعر مخاوف متصاعدة تتعلق بالعرق والدين والحدود. فوفقا لمنسوتا استار تربيون (The Minnesota Star Tribune ) عندما تتحدى شخصية عامة صومالية مثل إلهان عمر السياسة الخارجية الأمريكية أو الغربية، يُوصم المجتمع الصومالي بأكمله بـالجحود أو الخيانة، مما يُؤجج غضب اليمين المتطرف. ففي الخطاب اليميني الغربي، يُربط الصوماليون في كثير من الأحيان بالإرهاب، وإساءة استخدام برامج الرعاية الاجتماعية، وفشل الاندماج، حتى وإن كان معظمهم من السكان أو المواطنين الملتزمين بالقانون. وتُعمَّم القضايا البارزة مثل هجمات حركة الشباب أو فضائح الاحتيال الفردية على المجتمعات الصومالية بأكملها، ويُشار إليها مرارًا وتكرارًا في الخطابات ووسائل الإعلام المحافظة.
كما أن الإسلاموفوبيا وتأطير الحرب على الإرهاب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، جعلت وسائل الإعلام اليمينية في الغرب على تصوير المسلمين عمومًا على أنهم الآخر المختلف حضاريا(ثقافة ما يشبهونا)، ولا شك أن الصوماليين ضحايا هذه الرواية الإسلاموفوبية. ولأن الصومال ارتبط بالحرب الأهلية والقرصنة وجماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة (حركة الشباب)، يُسلط السياسيون والناشطون والمعلقون الضوء على هذه العناصر للإيحاء بأن الصوماليين ميالون بطبيعتهم إلى التطرف، ويُعزز تركيز الأجهزة الأمنية على احتمالية التطرف بين الشباب الصومالي، وهذا يخلق حلقة مفرغة تُربط فيها الأخبار السلبية عن الإرهاب ضمنيًا بالهوية الصومالية، فيُقدم اليمين المتطرف حملات القمع أو الإقصاء على أنها إجراءات وقائية منطقية.
ويرى المركز العربي بواشنطن دي سي أن السياسة الخارجية الأمريكية والغربية تُستهدف الصوماليين لتبرير أو صرف الانتباه عن التدخلات العسكرية والأمنية الغربية الجارية في الصومال والقرن الأفريقي، وأن تجريد الصوماليين من إنسانيتهم ووصفهم بـالقمامة أو بعنفهم المتأصل يُسهّل ترويج ضربات الطائرات المسيّرة والعقوبات والحروب بالوكالة لدى الرأي العام المحلي. ووفقا لما بثته الإذاعة الوطنية العامة (NPR) الأمريكية في حوار اجرته كيرستي مارون مع صوماليين عندما ينتقد الصوماليون الأمريكيون هذه السياسات، يصوّرهم اليمين وبعض حلفائهم على أنهم متعاطفون مع الإرهابيين أو كارهون للغرب، مما يُضفي مزيدًا من الشرعية على المراقبة والمداهمات وإجراءات الهجرة التقييدية، وهذا يخلق حلقة مفرغة تتضافر فيها السياسة الخارجية والعنصرية الداخلية، حيث يُستخدم الصوماليون كعدو رمزي في الخارج والداخل.
ووفقا لوكالة رويترز للأنباء في الخامس من ديسمبر الجاري ، اصبح الصوماليون رمزاً ملائماً لمخاوف متعددة مثل الإرهاب، والهجرة غير المنضبطة، وتكاليف الرعاية الاجتماعية، والتغير العرقي، وفقدان الهيمنة الثقافية حيث يستخدمهم اليمينيون كـ”حالة اختبار” للمطالبة بسياسات هجرة أكثر صرامة، أو مزيد من التواجد الأمني، أو معارضة التعددية الثقافية، لعلمهم أن عامة الناس غالباً لا يعرفون إلا القليل عن تاريخ الصوماليين أو ثقافتهم، وأنهم لا يتعرفون عليهم إلا من خلال عناوين الأخبار السلبية. ووفقا ل بيه بي نيوز(PBS News) أن جعل الصوماليين كبش فداء يبسط قضايا اجتماعية وجيوسياسية معقدة كالحرب، وعدم المساواة العالمية، واستغلال العمالة وجعلها قصة عن مجتمع يُفترض أنه إشكالي، وهو ما قد يُحفّز الحراك السياسي، ولكنه يزيد من التهميش والمراقبة والتمييز اليومي ضد الصوماليين أنفسهم. وترى بوركنا إثيوبيان نيوز (وهي منصة إخبارية ورأي مستقلة على الإنترنت مقرها تورنتو، كندا) أنه غالباً ما تستغل الحملات اليمينية قضايا جنائية أو احتيالية معزولة تورط فيها صوماليون، وتقدمها كدليل على أن الجالية بأكملها فاسدة أو خطيرة فعلى سبيل المثال، تُعمَّم ملاحقات الاحتيال في برامج الرعاية الاجتماعية أو التحقيقات الأمنية التي تشمل أفرادًا معدودين على عشرات الآلاف من المقيمين الصوماليين، لا سيما في مواسم الانتخابات. وتُكافئ وسائل الإعلام التي تُحركها النزعة الاستفزازية هذا النهج فالمقاطع التحريضية والنكات العنصرية والتصريحات المتطرفة عن الصوماليين تحوّل الجالية إلى شخصية شريرة متكررة الظهور في البرامج الحوارية ووسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الحزبية، حتى عندما تُشير التقارير الرئيسية إلى أن معظم الأمريكيين الصوماليين مواطنون وعمال وطلاب لا تربطهم أي صلة بالجريمة أو التطرف.
وما يُستغرب له تحامل الإعلام العربي واعلام الجاليات العربية في الولايات المتحدة وكندا على الصوماليين وغيرهم من الأفارقة السود لدواعي عنصرية متجذرة في أفكار التفوق العربي والتمييز على أساس لون البشرة. ففي وسائل الإعلام العربية وبعض الوسائط العربية الأمريكية، قد يواجه الصوماليون التمييز المتجذّر على أساس لون البشرة والمواقف المعادية للسود المتجذّرة منذ زمن طويل في أجزاء من العالم العربي حيث يتبنى بعض المعلقين العرب أو العرب الأمريكيين، المُنحازين إلى اليمين السياسي الأمريكي غالبًا من خلال مواقف مؤيدة لإسرائيل، أو مُعادية لليسار، أو مُعادية لما يُسمى بـالصحوة(عادةً إلى المواقف السياسية والثقافية التي ترفض أو تقاوم أفكار العدالة الاجتماعية المعاصرة بشأن العرق والجنس والجنسانية وعدم المساواة، وغالبًا ما تصوّرها على أنها مفرطة أو مثيرة للانقسام أو تشكل تهديدًا للمعايير والقيم التقليدية)، حيث يتبنون نفس الخطابات المعادية للصوماليين، ساخرين من ذكاء الصوماليين، أو ثقافتهم، أو متهمين ومنتقدين سياسيين مثل إلهان/م عمر مما يعني أن الدين المشترك لا يمنع وجود مشاعر معادية للسود أو للاجئين مما يجعل بعض العرب ينأون بأنفسهم عن المسلمين غير المرغوب فيهم وعن المجتمعات السوداء.
