
الجرتق السوداني إلى العالمية: اليونسكو تحمي طقسًا يقاوم الحرب والنسيان
باريس، الغد السوداني – أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، الخميس، طقس الجرتق السوداني ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، في خطوة تمثل اعترافًا دوليًا بأحد أقدم الطقوس الاجتماعية المتجذرة في الوجدان الثقافي السوداني.
وقال وزير الثقافة والإعلام والسياحة السوداني، خالد الأعيسر، في بيان صحفي، إن اعتماد الجرتق ضمن قائمة التراث العالمي يُعد «تقديرًا دوليًا للثقافة السودانية وحمايةً لموروثها الأصيل»، مشيرًا إلى أن هذا الإدراج يعكس عمق الهوية السودانية وجمال تنوعها الثقافي.
وأضاف الأعيسر أن أهمية الخطوة «تتضاعف في ظل الحرب التي تهدد التراث والعادات والتقاليد»، معتبرًا أن الحفاظ على الهوية الثقافية للسودان «مسؤولية وطنية وعالمية في آن واحد».
وتسببت الحرب الدائرة في السودان في تدمير مراكز ثقافية ومتاحف ومكتبات، كما عرّضت مواقع تراثية عديدة للخطر، إلى جانب تشريد مجتمعات محلية تُعد الحاضن الأساسي لنقل هذا الموروث عبر الأجيال.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن إدراج الجرتق عالميًا يمثل فعل مقاومة ثقافية بحد ذاته، ورسالة مفادها أن التراث ليس هشًا أمام النزاعات، بل عنصر صمود وبقاء.
وقال خبير التراث السوداني وأستاذ الدراسات الثقافية، معتز عبدالحليم، إن إدراج الجرتق في قائمة التراث الثقافي غير المادي يشكّل «درعًا دوليًا لحماية الموروث السوداني» في وقت يتعرض فيه لخطر غير مسبوق.
وأوضح عبدالحليم، في تصريح لوكالة أنباء شينخوا، أن الحرب أسهمت في تهجير المجتمعات الحاملة للتقاليد الشعبية، وأضعفت البيئة الاجتماعية التي تزدهر فيها هذه الطقوس، ما يجعل التوثيق والحماية الدولية «ضرورة ملحّة لا ترفًا ثقافيًا».
وأشار إلى أن هذه الخطوة لا تمثل تكريمًا لطقس اجتماعي واحد فحسب، بل اعترافًا بأن التراث السوداني جزء أصيل من الذاكرة الإنسانية المشتركة، مؤكدًا أن «الثقافة غالبًا ما تمثل خط الدفاع الأخير للمجتمعات، وعنصرًا محوريًا في إعادة البناء بعد انتهاء الصراعات».
من جانبها، قالت الباحثة في التراث السوداني، سلوى محمد، إن إدراج الجرتق يُعد اعترافًا دوليًا بقيمته الرمزية والإنسانية، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة لحماية التراث من آثار الحرب.
وأضافت، في تصريح لشينخوا، أن «الثقافة يمكن أن تكون قوة صمود ومقاومة، تُمكّن المجتمعات من الحفاظ على هويتها وتاريخها في أكثر اللحظات قسوة».
ويُعد الجرتق من أقدم الموروثات الشعبية في السودان، إذ تعود جذوره إلى حضارات وادي النيل القديمة، حيث ارتبط بمفاهيم الخصوبة والحماية واستجلاب البركة. ويُمارس الطقس عادة في مناسبات الزواج، بوصفه مرحلة انتقالية ترمز للعبور من وضع اجتماعي إلى آخر، وسط مشاركة جماعية للأسرة والمجتمع.
وتعتمد طقوس الجرتق على عناصر رمزية ذات دلالات عميقة، أبرزها اللون الأحمر، والحرير، والذهب، والعطور والمواد الطبيعية، في تعبير عن معتقدات اجتماعية قديمة ترى في الرمز وسيلة للحماية الروحية وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وفي سياق مقارن، يتقاطع الجرتق السوداني مع بعض طقوس الأعراس التقليدية في ثقافات أخرى، لا سيما في شمال الهند، حيث يحتل اللون الأحمر مكانة مركزية بوصفه رمزًا للحياة والخصوبة، مع تشابه في استخدام الزينة والذهب والحناء ودور العائلة الممتدة في إدارة الطقس، ما يعكس الطابع الإنساني المشترك للطقوس الانتقالية عبر الثقافات.
ويمثل إدراج الجرتق ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي فرصة لإعادة تسليط الضوء على التراث السوداني في لحظة حرجة من تاريخه، ويفتح الباب أمام جهود أوسع لتوثيقه وحمايته ونقله للأجيال المقبلة، باعتباره جزءًا حيًا من الهوية الوطنية، وعنصرًا من عناصر التنوع الثقافي الإنساني.
