في الذكرى 12 لرحيله… بهنس: مبدع سوداني أطفأه البرد وأبقته «راحيل» حيّاً

سهام صالح

صحفية سودانية

القاهرة، سهام صالح – قبل 12 عاماً، في صباحٍ بارد من ديسمبر 2013، عثر المارة في ميدان إبراهيم باشا بالعتبة على جثمان رجلٍ نحيل، ملتفّاً بملابسه الخفيفة، جالساً في صمتٍ أبدي على أحد الأرصفة. لم يكن أحد يدري أن ذلك الجسد المتجمد يعود إلى محمد حسين بهنس (1972 – 2013)، أحد أكثر المبدعين السودانيين تفرداً في جيله: شاعر، روائي، ومصور وفنان تشكيلي عرفته الخرطوم والقاهرة وباريس.

ظل بهنس، الذي خرج من السودان حاملاً مشروعاً فنياً واسعاً، يتنقل مفترشاً الأرض وملتحفاً السماء في شوارع وسط البلد بالقاهرة، قبل أن يلقى حتفه برداً وجوعاً في ذروة موجة البرد التي ضربت المدينة. تحول موته إلى صدمة كبرى في الأوساط الثقافية السودانية والمصرية، وفتح أسئلة موجعة حول مسؤولية المجتمع تجاه مبدعيه.

سنوات التيه

جاء بهنس إلى القاهرة قبل عامين من رحيله، لإقامة معرضين تشكيليين وصوريين، يقدّم معظم أعمالهما رؤية أفريقية واضحة وتقاطعات إنسانية عميقة. غير أن سوء الأوضاع المالية، وتوقف فرص العمل، ألقيا به في دوامة اكتئاب حادة، جعلته يعيش بلا مأوى، يتجول بين المقاهي والشوارع بصمت يشبه نصوصه الشعرية.

 

أصدقاؤه يؤكدون أن الفنان الذي كان يعزف الغيتار في حلقات أصدقائه بميدان التحرير، ويقرأ الشعر في المكتبات، حاول طويلاً مقاومة العزلة قبل أن يستسلم لها. كان يقول في إحدى قصائده:

“أهديك الغربة.. هتاف الموتى وصمت التربة.. أهديك إحباطي حديث عابر في مركبة عامة.”

كلماتٌ بدت لاحقاً كأنها نبوءة شخصية.

موهبة متعددة الوجوه

 

الزكرى 12 لرحيل بهنس

عرف بهنس بتعدد أدوات التعبير: فنان تشكيلي أقام أول معارضه في الخرطوم عام 1999، وشارك في معارض بإثيوبيا وفرنسا، وأقام في باريس لفترة تزوج فيها من فرنسية وأنجب منها ابناً عام 2005.

عاد بعدها إلى السودان محملاً بتجارب ثقافية متنوعة انعكست على أعماله.

ورغم اشتغاله بالرسم والتصوير، بقي الأدب بوابته الأكبر نحو الجمهور. روايته «راحيل» كانت علامة فارقة، وحققت له انتشاراً واسعاً في السودان وخارجه، لتصبح لاحقاً أشهر أعماله وأكثرها ارتباطاً بذكراه.

رحيل فجائي… وإرث باقٍ

 

بعد إعلان وفاته، نعاه شعراء وكتاب وفنانون من مختلف الدول، واعتبروا رحيله “فجيعة ثقافية” و”خسارة لروح مبدعة لم تجد من يساندها”. ولليوم، يُستعاد اسم بهنس كلما ذُكرت عزلة الفنانين، أو تجاهل المؤسسات الرسمية لهم.

تحولت قصته من مجرد حادثة مؤلمة إلى مرآة تعكس هشاشة الواقع الذي يعيشه كثير من المبدعين العرب، وأصبح رصيف العتبة الذي وُجد عليه رمزاً لنهاية موجعة لرحلة فنية حافلة.

رحل بهنس، لكن لوحاته ورواياته وصوره ما تزال شاهدة على مبدع قاوم العالم بالفن، ثم غادره بصمت يشبه قصائده.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.