تصاعد أعداد المفقودين في الفاشر والأهالي لم تفقد الأمل

الغد السوداني _ محمد الطاهر الطيب

في ظل عدم معرفة مصير آلاف المدنيين داخل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تعيش أسر سودانية عدة معاناة نفسية يصعب وصفها بسبب اختفاء أبنائها في ظروف غامضة منذ سيطرة قوات “الدعم السريع” على الفاشر في الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ لا يزال مصير الآلاف مجهولاً، بخاصة في ظل ارتكاب هذه القوات انتهاكات واسعة ضد المدنيين وتنفيذ تصفيات ميدانية وحشية، وحدوث مئات الوفيات.

وبحسب جهات حقوقية فإن عدد المفقودين بلغ نحو 20 ألف شخص، وتتهم “الدعم السريع” بالتورط في عمليات احتجاز واعتقال غير قانونية في حق العالقين داخل الفاشر، في وقت لم يفقد ذووهم الأمل بالوصول إليهم من خلال البحث بجميع الطرق والوسائل المتاحة.

قلق ورعب

تروي خديجة كوكو التي فقدت ابنها حسين منذ أكثر من 18 يوماً، “كان ابني خارج المنزل عندما اقتحم “الدعم السريع” الفاشر، وفي لحظات الكر والفر للنجاة ومغادرة المدينة، لم يصل إلينا، حاولنا الاتصال به فوجدنا هاتفه مغلقاً، ووضعنا احتمال أن يكون فقد الشحن أو بسبب عطل في شبكات الاتصالات التي تتأثر في كل فترة”.

وأوضحت كوكو في حديثها لـ (الغد السوداني) “بدأ القلق يساورنا مع مرور الوقت حتى دخل الليل، ليصبح الأمر بالنسبة إلينا غير عادي، ولم أستطع النوم طوال تلك الليلة، في الصباح الباكر تحركنا من دونه إلى منطقة طويلة، ومنذ ذلك اليوم بدأنا في البحث عنه بين الآتين إلى مناطق تجمعات النازحين من دون أن نجد أي خيط يوصلنا إليه حتى هذه اللحظة”.

وأردفت “قلبي يتمزق من شدة الخوف والقلق على مصير، ابني بخاصة بعد عدم ظهوره في الفيديوهات المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي التي توثق لعمليات اختطاف مقابل فدية”.

مصير مجهول

أشار حامد فضل الذي وصل محلية مليط إلى أن “أسرته فقدت الاتصال بشقيقه منذ 21 يوماً، ولم يصل مع الفارين من الفاشر إلى مناطق تجمعات النازحين حتى الآن، ونعاني آثاراً نفسية صعبة للغاية بسبب الانشغال بمصيره المجهول، إذا كان حياً أم ميتاً”.

ولفت إلى “تزايد قلق النازحين على أفراد عائلاتهم الذين بقوا في الفاشر أو لم يتمكنوا من مغادرتها، ففي ظل انقطاع الاتصالات، بات من الصعب معرفة مصير عشرات الآلاف ممن يعتبرونهم ممنوعين من مغادرة المدينة”.

ونوه فضل من خلال حديثه لـ (الغد السوداني)، بأن “هناك من تعرف إلى أقربائه عبر مقاطع الفيديو أثناء الاستجواب من قوات “الدعم السريع”، وبدت كثير من وجوه الضحايا واضحة بدرجة تكفي لأن يتعرف إليها أهلهم وذووهم بسهولة، لكن مصيرهم مجهول حتى الآن”.

قضية مصيرية

في السياق، يقول المحامي والمستشار القانوني عادل مفتي لـ (الغد السوداني) إن “ملف المفقودين في الفاشر يعتبر من القضايا المصيرية المرتبطة بالنزاعات والحروب، ونظمها اتفاق جنيف في عام 1947، وبروتوكولات لاحقة لها في 1977، وفرض بحسب نص الاتفاق التزام أطراف النزاع البحث بجدية عن المفقودين وإعداد تقارير عنهم، وتقديمها إلى المنظمات العاملة في المجال”.

وأضاف “تظل أعداد المفقودين دوماً غير معلومة بسبب توزع النازحين على معسكرات عدة، إضافة إلى صعوبة إيجاد وسائل تواصل بينهم نتيجة انشغال أطراف النزاع بالحرب”.

وبين مفتي أن “اتفاق حماية حقوق المفقودين تختلف عن اتفاق الاختفاء القسري لعام 2002، التي دوماً تلتزم بها الدول، وهو مرتبطة بالعمل السياسي، وبعد دخول الميليشيات مدينة الفاشر، وبحسب تقارير موثقة ظهرت أعداد كبيرة من المفقودين، بالتالي يجب العمل مع الأجهزة الرسمية والمنظمات الإقليمية والدولية لإعداد تقارير عن الضحايا والضغط على الميليشيات لإطلاق سراحهم، وكذلك تفعيل القوانين والمواثيق لحماية المفقودين”.

اعتقالات تعسفية

بدورها، دانت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية الاعتقالات التعسفية التي نفذتها “الدعم السريع” في حق مئات المدنيين في الفاشر عقب سيطرتها على المدينة، مشيرة إلى أن المعتقلين نقلوا إلى معتقلات مكتظة بالمحتجزين ضمن ظروف صحية وإنسانية متدهورة، أدت إلى وفاة بعضهم بسبب الجوع وسوء المعاملة ونقص الرعاية الطبية، في انتهاك للقانون الدولي وقواعد العدالة الجنائية.

وطالب بيان للمجموعة بإطلاق سراح المدنيين فوراً ومشاركة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في زيارة المعتقلات للتحقق من سلامة المحتجزين وتقديم الدعم القانوني والإنساني.

وشددت “محامو الطوارئ” على ضرورة حماية النساء والأطفال والمحتجزين القصر وفتح تحقيق مستقل ومحايد في حالات الوفاة أو سوء المعاملة ومحاسبة المسؤولين عنها، والامتناع عن الاعتقالات التعسفية المستقبلية والالتزام الكامل بالقانون الدولي الإنساني واتفاقات جنيف.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.