هربت من الحرب لتواجه سجن الغربة والإقامة: قصة اللاجئين السودانيين بإثيوبيا

عبد الناصر الحاج

صحفي سوداني

تعيش اللاجئة السودانية “ف.ع.ن” في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد أن اضطرت لمغادرة وطنها هرباً من الحرب الطاحنة التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ عام ونصف. في مكالمة هاتفية مع (سودان الغد)، تروي اللاجئة، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها لدواعٍ أمنية، كيف أجبرتها الأحداث العنيفة في مدينتها “ود مدني” على الفرار. تقول: “لم يكن لدي خيار سوى الرحيل عندما اجتاحت قوات الدعم السريع مدينتي بعد انسحاب مفاجئ وغير متوقع لقوات الجيش، رغم أنهم بشرونا في البداية بالنصر”. وتستطرد قائلة: “أصبحت مدينة ود مدني تحت سيطرة مليشيات الدعم السريع، فاضطررنا لمغادرتها قبل أن يتم إغلاق جميع المنافذ”.

في إثيوبيا، تواجه “ف.ع.ن” معاناة جديدة تتعلق بالظروف المعيشية الصعبة والقيود المالية، حيث يتعين عليها دفع 100 دولار شهرياً لتجديد إقامتها، وإذا خالفت هذه التعليمات، تتعرض لغرامات مالية كبيرة وربما الطرد. تقول بأسف: “نحن ندفع ثمن تدهور العلاقات السودانية الإثيوبية، وكأننا نحن من تسبب في الحرب أو من يتحكم في السياسات الخارجية للسودان”.

 

وفي ظل هذه الظروف، أكدت تقارير إخبارية محلية أن السلطات الإثيوبية أعادت فرض رسوم الإقامة الشهرية بعد أن كانت قد أعفت السودانيين منها في فبراير الماضي. القرار جاء مفاجئاً وأثار مخاوف اللاجئين، لا سيما أن الكثير منهم يعتمدون على تحويلات مالية بالكاد تكفي لسد احتياجاتهم اليومية. بعض اللاجئين السودانيين الذين اضطروا للعيش في معسكرات اللاجئين يعيشون في أوضاع مأساوية، دون دعم أو مساعدة.

 

يرى مراقبون أن العلاقات بين السودان وإثيوبيا بعد اندلاع الحرب أصبحت مضطربة، ما ينعكس بشكل مباشر على أوضاع اللاجئين السودانيين. ويشير كمبال عبد الواحد، المحلل السياسي المتخصص في قضايا القرن الإفريقي، إلى أن الإجراءات التضييقية التي تتخذها إثيوبيا ضد السودانيين تعد وسيلة ضغط سياسية. يقول: “إثيوبيا تسعى لاستخدام اللاجئين السودانيين كورقة ضغط في علاقتها مع حكومة السودان، خصوصاً مع اقتراب مؤتمر عنتيبي الذي سيناقش تطورات ملف مياه النيل”.

 

يشرح كمبال أن القلق الإثيوبي لا يقتصر على مؤتمر عنتيبي فقط، بل يتعداه إلى المخاوف من هجمات “التيقراي” الأخيرة. يعتقد أن الحكومة الإثيوبية تسعى لإعادة ترتيب أوراقها في علاقاتها مع السودان، مما يترك اللاجئين السودانيين في موقف هش ومهدد بشكل مستمر. ويشير إلى أن الحكومة السودانية، بقيادة عبد الفتاح البرهان، تسعى لتأمين الحدود الشرقية ومنع دعم قوات الدعم السريع. ويفترض أن هذا السياق المعقد للعلاقات السودانية الإثيوبية يمكن أن يفاقم من معاناة اللاجئين السودانيين ويجعلهم رهينة لهذه التجاذبات السياسية.

 

في ضوء هذه التطورات، أصدرت الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان بياناً حول نتائج اجتماعاتها الأخيرة، حيث أكدت أن المناقشات حول اتفاقية حوض النيل ما زالت جارية. هذا المشهد يبرز التوترات السياسية التي تنعكس بشكل مباشر على أوضاع اللاجئين السودانيين في إثيوبيا، مما يجعلهم يدفعون ثمن النزاعات الإقليمية والسياسية.

ومنذ منتصف أبريل الماضي، تتفاقم معاناة الاجئين هناك خاصة من كانوا عالقين في غابة أولالا بإقليم أمهرة الإثيوبي، حيث واجه الأطفال مخاطر كبيرة وسط غياب الأمن في المعسكرات. فرّ آلاف اللاجئين السودانيين إلى إثيوبيا هربًا من الحرب الدائرة، بينهم نساء وأطفال، وعانوا من ظروف قاسية لأشهر داخل الغابة.

أوضاع اللاجئين السودانيين في إثيوبيا تجسد معاناة الهروب من الحرب فقط ليواجهوا مستقبلاً غامضاً وصعوبات جديدة في بلاد اللجوء.