ما بين السودان وفلسطين  ..هل من معتبر ؟

بقلم: محمد سعد

مثل تصويت مجلس الأمن على مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، بأغلبية ١٣ عضوًا وامتناع الصين وروسيا، ضربة موجعة لمشروع الدولة الفلسطينية. إذ يرى الكثيرون أنه تراجع عن مواقف أقوى مضت في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصًا بعد تكلفة الدماء والدمار التي دفعها المواطن الفلسطيني.

وبالضرورة، فإن لهذا القرار ما بعده على مستقبل المنطقة، على مستويات عديدة، بما فيها مقترحات ذات صلة بتكوين ممر جديد منافس لقناة السويس (قناة بن غوريون)، والذي يمثل ملمحًا أساسيًا في شأن الممرات المائية، في ظل التنافس على البحر الأحمر مقرونًا بقضايا التطبيع في المنطقة والديانة الإبراهيمية.

تناول الأمر لا يأتي فقط في إطار التعاطف الإنساني أو الاهتمام بقضايا السلم العالمي فحسب، في وقت تتصاعد فيه التجارب النووية مهددة البشرية جمعاء، بل فيما ترسله تلك الإشارات إلى الواقع السوداني المتأثر بالضرورة بالتدخل الأجنبي في أبعاده الإقليمية والدولية.

صحيح أنه من المبكر تقييم موازين القوى في ظل التنافس بين الأقطاب الحالية، لأسباب متعددة، منها استمرار الصراع نفسه وعدم حسمه من جهة، بل واحتمالية نشوء بؤر صراعات جديدة عالميًا من جهة أخرى. كما أن موازين القوى نفسها تختلف حسب الأيديولوجيا التي يُنظر إليها من خلالها؛ فمن مضى باتجاه الواقعية أو البراغماتية ينظر إلى القوى المادية محددًا بوصلته بناءً على مؤشراتها، ومن انطلق من قاعدة عقدية فإن حسابات القوة والضعف تختلف لديه بناءً على تصوره الخاص لمفهوم النصر والمقاومة.

لعل أحد المؤشرات التي عكسها التصويت الأخير هو أن الهيمنة الأمريكية هي الأَفعل في المشهد (حتى الآن). إذ لا يختلف اثنان على أن المشروع الأمريكي الصهيوني كان متطابقًا في وجهته العامة، بل لا وجود للكيان بدون الدعم الأمريكي. وبالرغم من ذلك، فهو الوسيط المقبول من كل الأطراف من أجل عملية السلام.

التشابه الأساسي مع واقعنا المحلي هو أن الدعم السريع لم يكن ليصل إلى هذا المستوى من القوة دون الدعم الإماراتي، ومن الاستحالة أن يكون هناك دعم إماراتي للمليشيا بدون ضوء أخضر أمريكي. وفي ذات الوقت، هو الطرف المقبول من كل الأطراف لإنجاز عملية السلام بالبلاد.

عودة إلى مشروع القرار الأمريكي بخصوص غزة (بخصوصيتها)، فإنها حققت تحت اسم السلام في شرم الشيخ ذات الأهداف التي تسعى إليها إسرائيل عسكريًا بمباركه دول عربيه تشمل المملكه العربيه السعوديه.وبالتالي، فإن الاعتبار للحالة السودانية هو البحث عن مقاربة: ما الذي يعنيه السلام بالنسبة للمواطن وفق أي معطيات؟ وما الذي تقصده القوى الخارجية عمومًا تحت نفس المسمى؟
فالطرفان لا يتطابقان بالضرورة، وقد لا يتناقضان كذلك.

إن مسارات إحلال السلام في السودان من الخارج تشمل عدة سيناريوهات:
١. اقتسام سلطة بين الطرفين المركزيين وحلفائهما، أقرب إلى نموذج نيفاشا الذي أفضى أيضًا في نهاية المطاف إلى تقسيم السودان برعاية أمريكية وقتها.

٢. انحياز  إلى أحد الطرفين، مثال حلّ المليشيا لصالح الجيش السوداني ورؤيته.

٣. التعامل مع الأطراف المختلفة كمكوّنات عسكرية، والبحث عن عملية سياسية تشمل القوى المدنية (بعضها أو كلها) للانتقال إلى مربع جديد للتوافق الوطني.

٤. إقرار حالة من اللاحرب واللاسلم… إلى حين التعامل مع الملف في ظروف أخرى.

٥. حالة من الوصاية الأجنبية على إدارة الشأن السوداني، مثل حالة مجلس السلم في غزة تحت رعاية ترامب.

تتفاوت السيناريوهات أعلاه وغيرها في حظوظها على أرض الواقع. ولكن يظل الأهم دومًا هو إرادة الشعب وقضاياه كأفضل حاجز دفع. بل إن المبالغة ربما في ردود الفعل المرحّبة بدور أجنبي تعكس أنه لا يوجد موقف مبدئي من التدخل بحد ذاته، بقدر ما يعكس البحث عن توجهات هذا الموقف الأجنبي وتطابقها مع المصالح الضيقة للمجموعات والقوى الفاعلة. بمعنى آخر، فإن التطابق بين المصلحة الوطنية ومصالح ما دونها من التشكيلات ليس بالضرورة متماثلًا، وقد يكون متناقضًا أحيانًا.

عمومًا، فإن التفاعل الخارجي مع السودان مفهوم ومطلوب في إطار تأثير قضية السودان على المحيط الإقليمي والدولي، ولأهمية السودان المحورية، حتى ولو تفاجأ منها ترامب في حديثه الأخير. والذي يجب التركيز عليه هو انتقال الحركة الجماهيرية من موقع المتفرج على تموضع السودان في التحالفات الإقليمية والدولية وفق الفاعلين السياسيين، إلى خانة رأس الرمح للتعبير عن إرادته في ظل واقع الحرب المأساوي.

صحيح أنه سيكون من الصعوبة – في ظل واقع اللجوء والنزوح والحرب والمرض وعسكرة الحياة السياسية – تشكيل تلك الإرادة الغائبة، ولكن لا يبدو ذلك مستحيلًا؛ فالشعب السوداني لديه تجارب في تشكيل الأجسام ذات الطبيعة المرحلية التي تخدم مصالحه المتفق عليها. وفي هذا يمكن كتابة مقال آخر.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.