
الزاكي عبد الحميد يكتب.. “سرديات”: جرحٌ قديمٌ ليتَه لا يُنْكَأ !
في جلسة مؤانسة باذخة المتعة؛ جمعتنا به؛ في قاعة المؤتمرات بمركز عبد الكريم ميرغني في ام درمان، قبل بضعة أسابيع من اندلاع هذه الحرب العبثية؛ سألت شاعرنا الكبير الراحل المقيم محمد المكي ابراهيم؛ عن مسرحية شعرية بدأها ولم يكملها فقال لي مبتسماً:
*جرحٌ قديمٌ ليتَه لا يُنكأ*!
ولم يزد..
فهمتُ ما يرمي اليه؛ فآثرتُ الصمت!
*…المعاول تغوص في أحشاء الصحراء؛ والحفرة تتمدد عمقاً حتى بلغت قاعها المطلوب حيث سِقْطُ الزَّنْد؛ عند اصطكاك المعاول بالحصى؛ وحينها هتف كبيرُهم: إشعلوا فيها ناراً..*
*وحين تلظّت وصوّت لهيبُها كصهيلِ خيلٍ انطلقت بلا رقيب؛ رموا فيها العبد؛ فاتخذ شاعر الاكتوبريات مأساتَه مدخلاً لمسرحية شعرية؛ لو انها رأت النور؛ لكان للغابة والصحراء شأنٌ آخر!*
حققت فضائية *سي إن إن* عصرئذٍ، سبقاً صحفياً scoop بعرضها على الملأ، كأول قناة إخبارية في العالم، مشهد الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، والذي أعدمته داعش، وهو يتلوى ألماً لحظة اشتعال النار داخل قفصه الحديدي محكم الإغلاق..
وحين فاحت رائحة شواء اللحم البشري من على الشاشة الصغيرة، وكادت تزكم الأنوف، ختم مذيع الأخبار نشرته تلك؛ بعبارة باكية:
This is the most dehumanizing act I have ever seen or heard of and hope not to see or hear of something similar in my life..
هذا أكثر مشهد تتعرّى فيه الإنسانية عن إنسانيتها ..لم أر مثلَه من قبل؛ ولم أسمع به مطلقاً؛ وآمل أن لا أرى أو أسمع عن فعل كهذا في حياتي..
غير أن المشهد الذي أقلق مذيع فضائية سي إن إن CNN ودفعه لأن يقول ما قال؛ كان أقل وحشية من ذلك الذي واجهته حسناء التلفزيون الهولندي قبل ذلك بسنوات..
لم يدر بخَلَدي حينها، أنني سأحاور رجلاً معتوهاً، قاسي القلب لتلك الدرجة..التفاصيل التي ذكرها وهو يتلذذ بالكيفية التي أحرق بها شاباً أفريقيا حياً حتى فاحت رائحة الشواء، فاقت في وحشيتها كلَّ تصور:
It was the most brutal and beastly murder imaginable..
بهذه الكلمات ختمت مقدمة البرامج التلفزيونية الأشهر في الفضائية الهولندية إليز بيرغر Elles Gerger مسيرتَها الاعلامية، التي امتدت لنحو خمسة عقود…
O, beloved Belgium, sacred land of our fathers,
Our heart and soul are dedicated to you,
Our strength and the blood of our veins we offer
*بلجيكا يا حبَّنا؛ يا ارض آبائنا المقدسة،*
*قلوبنا وأرواحنا إياك نهديها*،
*بمِراسنا عنكِ نزود*
*بدمائنا لكِ نجود*
أخذ يردد هذا المقطع، من النشيد الوطني لبلاده، ويمناه مغطاةٌ بقُفاز مطاطي سميك، وهي تسوط الحامض الأكّال بحثاً عن أضراس ضحيته ليحتفظ -كما قال- باثنين منها كذكرى *للمناسبة السعيدة*، فيما كان يمسك بيسراه زجاجةَ خمرٍ يرجُّها بعصبية كلما تجرّع منها…
جيرارد سويت Gerard Soet ضابط بلجيكي، ظل يجوب طرقات العاصمة الكنغولية، وهو يفكر في الكيفية التي تمكّنه من التخلص بذكاء، من الجثة التي بين يديه! فحكومة بلاده كلّفته بالتخلص من الجثة بطريقة لا تترك أي أثر يشير إلى تورطها في مقتل أول رئيس حكومة كنغولية جاء عن طريق صناديق الاقتراع..لم يجد هذا الضابط المأفون طريقة انسب لاخفاء معالم الجريمة إلا في اذابة جثة *لوممبا* في حامض الكبريتيك..وما هي إلا ثوان معدودات حتى ذاب اللحم البشري في الحامض كما الملح في الماء..
هذه تفاصيل سبق أن اوردتُ جلَّها في سرديات ماضية كما جاء بعضها في كتابي الذي صدر في اكتوبر من العام الماضي..
ولكن ما كان أكثر إيلاما ووحشية من التخلص من الجثة باذابتها في حامض الكبريتيك، كان ذلك اللقاء الذي اجرته معه في تسعينيات القرن الماضي، حسناء التلفزيون الهولندي إليز بيرغر Elles Berger حول إقدامه البشع على إذابة جثة *لوممبا* في الحامض والوحشية التي تقمصته وهو يتلذذ بالمشهد الذي أمامه…
قال: أي وحشية ترين في اذابة اللحم البشري في الحامض؟ ..فما بالك لو قلت لك، سيدتي، إنني سبق أن اشعلت النار على شاب عشريني كنغولي، لا لشيءٍ سوى أنه عصى لي أمراً:
…قيّدتُه ثم سكبتُ على جسده ثلاثة جالونات من البنزين، ثم أشعلتُ فيه النار وهو يقف على قدميه، فاحترق بالكامل..نعم احترق وهو يتلوى ألماً..كان مشهدا رائعا حين عرّت النار عظامه عن ما يكسوها من لحم..رائحة الشواء لا تقاوم!
التفاصيل التي ذكرها هذا الضابط البربري عن لحظة اشعال النار على جسد الافريقي التعيس، المبلل بالبنزين، والروائح التي بدأت تفوح من شعره وأظافره وعينيه، جعلت الإعلامية الهولندية توقف بث البرنامج، وتطرده من استديو التسجيل، وهي تبكي بحرقة قبل ان تغادر غرفتها في مبنى التلفزيون الهولندي بلا عودة..!
لقد اطّلعتُ على تفاصيل اذابة جثة *لوممبا* في برقيات، خلال سنوات الاغتراب، كما وقفت على بعض تلك الفظاعات التي ارتكبها رجال المخابرات الغربية في حق الافريقي من كتابين:
رواية بعنوان قلب الظلام Heart of Darkness للمؤلف البريطاني من اصل بولندي جوزيف كونراد
Joseph Conrad
والثاني؛ سرد تاريخي للاستعمار في الكونغو؛ بما في ذلك مقتل لوممبا؛ جاء بعنوان شبح الملك ليوبولد:
King Leopold’s Ghost
مشاهد وحشية؛ نقلها الكتابان، فأسالت الأعين دمعاً سخيناً..
ثم جاء ما هو اسوأ، فتعمق ألمي وانتشر؛ حين صدرت قبل بضع سنوات، النسخة الفرنسية لديوان شعر للشاعر السعودي الراحل *غازي القصيبي* والذي استعرضته صحف بريطانية…
بعض النقاد البريطانيين، باستعراضهم الديوان، اعادوا إلى الأذهان مشهد بطل رواية “قلب الظلام” Heart of Darkness وهو يزيّن طاولةَ مكتبه بجماجم الافارقة الذين كان يتسلى بقتلهم؛ وقت فراغه من العمل في جمع الثراء الفاحش من تجارة سن الفيل في الكونغو: البلد الذي اذيبت فيه جثة *لوممبا*: اول رئيس وزراء منتخب..
تراءت أمام ناظري وأنا أقرأ ما كتبوه، صورة انسان يحترق، وهو يتلوّى ألما كما فعلت داعش خلال سنوات هوسها بالطيار الاردني معاذ الكساسبة.. إنسان يصارع الموت من أجل الحياة، ولو للحظات فيما قاتِلوه يحتسون نخب فِعلتهم المنكَرة وهم يقهقهون، فتأمل!
نعم، إنها كانت مأساة ذلك الشاعر النوبي الخنذيذ..
رجل تلتهمه ألسنة اللهب بالكامل، بأمر أسياده، وهم فرحون مستبشرون بما فعلوا: نوبيَّ البشرة، عربيَّ اللسان، شاعراً مُفْلِقاً كان..
شاعر نوبي، لا نعرف عنه الاّ قليلَ القليل، وغيرٌنا يعرف عنه كثيرَ الكثير.. مأساته تقطّع نوط القلوب الرحيمة، وعنها أحكي:
كانت بينهما مودّةٌ، ثمّ فسدتْ، بسبب الاستعلاء العِرقي..
هي بيضاءُ، وكما السَجنجَلِ مصقولةٌ ترائبُها، وهو اسودُ اللونِ فاحمٌ، خشنٌ ملمسُه، مقلوبةٌ سَحنتُه..
ثم هي سليلةُ اشرافِ القوم وصفوتِهم، وهو عبدٌ قيض له ان يظلّ عبداً ما بقي الزمن..
عبداً وُلِد، وعبداً ترعرع، وعبداً يظل في قاموس قبيلته ..
لكنه شاعر، فتعلّقت به النساءُ فأخذ يتشبب بهن..وهو ما زاد حنق العشيرة التي اشترتْه بدراهم معدوداتٍ، وحين شاع أمرُ تشبُّبه بنسائِها قررتْ قتله..
ولكنهم تساءلوا عن الطريقة الأكثر ايلاماً..الطريقة التي تطفيء ما في جوفهم من نار الحقد!..
أبالنطع والسيف؟ تساءلوا!
قالوا: لا، فدَقُّ العنقِ في عُجالة لن يشفي غليلَنا.
بالشنق إذن يُقتَل، ويترك معلقا ليكون عبرةً وعظةً لغيره؟
قالوا: لا، هذا كسابقه، يعجّل من فنائه ولن يذيقَه ما نريده له من ألم وعذاب..
ما الحيلةُ إذن؟
قالوا: اشعلوا ناراً في حفرةٍ عميقة..
وحين تتلظّى ويصوِّت لهيبُها اقذفوه فيها..هذا يئِدُ غيظَنا من العبد..
هكذا جاء قرار القوم: فليُحرق العبدُ حيّاً..
سيق التعيسُ مقيّداً نحو حتفه، حرقاً بالنار، وهو ينشد:
*شِدّوا وثاقَ العبدِ لا يفلِتَنَّكم*
*إنّ الحياةَ من الممات قريب..*
وبينما هو يساق نحو نهايته، التي حددتها العُنجهية القبلية، انبرت له هي ضاحكةً بتشفٍ ونكايةٍ تدخل السرور على نفسها المجروحة.. إنّها المرأة التي كانت تتعشّقُه، قبل فساد ما بينهما من مودّة..ضحكتها أوغرت صدرَه.
لم يتمالك، فردَّ عليها وهو مقبل على ناره الملتهبة ببيت شعرٍ يعيد إلى الأذهان غزوات مصطفى سعيد على شقراوات الانجليز انتقاما من المستعمر الذي احتل بلاده :
*فإن تضحكي منّي فيا رُبَّ لَيلةٍ،*
*تركتُكِ فيها كالقِباء المُفَرَّج..*
You may laugh and jest as you will,
But recall that night, quiet and still,
When I departed, leaving you bare,
Like a garment torn, stripped of care.
(لشرح معنى هذا البيت؛ آثرت أن أترجمه إلى الإنجليزية؛ لما فيه، بلغة الضاد، من تلميحات خادشة للحياء..والبيت ينسبه البعض خطأً للحجاج بن يوسف في قصته مع هند بنت النعمان..الحجاج كان واليا دمويا قاسيا؛ سام أهل العراق سوء العذاب؛ إلا أنه كان حريصا على ألا يقول لسانُه قولاً نُكرا..)..
هند وسمية والعامرية وعميرة ودعد وعشراتٌ اخريات، من بنات أسياده تشبب بهن الشاعر العبد، فكان جزاؤه نارٌ تتلظّى..
هذه مأساة *سُحَيْم عبد بني الحسحاس..* كما أتتْنا به الكتب..
و *سُحَيم* تصغير *اسحم* وهو الأسْوَد ومنه الغراب الاسحم لشدة سواد ريشه..
عمداً تجاهلوا اسمَه ولقبّوه ب *سُحَيْم العبد* ما أثار حفيظة الشاعرُ ليثأر لسواد لونه، بعشق البيضاوات من نساء أسياده، ويقول فيهن شعراً جاء كمرآة تعكس غزوات مصطفى سعيد على الشقراوات، حفيدات المستعمر العُنجِهي!
مأساة *سُحَيْم العبد* أشعل نارَها في صدر الاسلام، أيامَ الخلافة الراشدة، قومٌ لم تكن جاهليتهم قد تخلت عنهم بعد….
إنها المأساةُ، التي أجاد وصفَها شاعران عربيان معاصران:
اولُهما شاعرنا الكبير *محمد المكي ابراهيم* الذي ألف مسرحيةً شعريةً، تناول فيها مأساةَ هذا الشاعر النوبي. نشر الجزء الاول من المسرحية الشعرية، خلال الربع الاخير من ستينيات القرن الماضي، كاستهلال لمدلولات *تيار الغابة والصحراء*..غير أن *شاعر اكتوبر الأخضر* توقف مغاضباً، عن تكملة بقية الأجزاء من المسرحية، بسبب الهجوم الذي تعرض له، من اهل اليمين واهل اليسار، روادُ تيار *الغابة والصحراء* وهو منهم..
وعن ذلك قال ” ..ولم اسلم شخصياً من الأذى، فقد هوجمت عن نشري الجزء الأول من مسرحيتي الشعرية عن *الشاعر النوبي المخضرم سحيم عبد بني الحسحاس* وذلك بصورة افقدتْني الرغبةَ في اكمالها حتى اليوم..”..
وثانيهما هو الشاعر السعودي الراحل *غازي القصيبي* الذي اصدر ديوانا يحكي مأساة سُحَيْم..
القصيبي في ملحمته يرتدي قناعَ سُحيم، يتقمص شخصيتَه، يعيش تجربتَه المريرة، ويستعينُ بأبياتٍ جميلةٍ وجريئةٍ من ديوانه ويكتب باسمه..
يستهل القصيبي قصيدته قائلاً:
*يعودون بعد قليل،*
*زمان يطول ويقصُر،*
*لكن يعودون كي يقذفوني في النار..*
وهذا المطلع يسترجعه القصيبي أكثر من مرة، دلالةً على هاجس الموت بالنار، اقسى انواع القتل..
ثم يمضي القصيبي واصفا المشهد القاسي:
*ها هو ذا الجمع يصخب حولي،*
*تخُرُّ الحجارةُ من كل صوبٍ،*
*تقترب النار،*
*أشعر بالوخز،*
*الحرائق في قدمي،*
*ثم تعلو وتعلو،*
*أُسحَبُ كالحبل بالحبل*
*أترك فوق اللهيب..*
ويقرّب القصيبي الصورةَ أكثر للقارىء، حين يصفُ تلك اللحظات المأسوية، وصفا دقيقاً، حتى ليجعلَ سُحَيْم يشمُّ رائحةَ جسدِه المحترق:
*أفيق، ارى بعض جسمي دخانا،*
*أشم الشواءَ وأغفو،*
*أفيق واغفو..*
ورغم ما يقاسي من عذاباتٍ في تلك الحالة، يريد القصيبي لشاعره العاشق، ان يمجّد الشعرَ الذي كان له خير سند:
*يا بورك الشعر*
*يلسع كالنار*
*يحرق كالنار..*
وحينها، وكماردٍ اندفع من قمقمه، تتفجّرُ حروفُ الشعرِ، وتصبحُ عاصفةً من لهبٍ تلفحُ نارَ الأعداءِ، فتطفئُها، والشعرُ وحدُه يبقى، عندما تذوي كل الحرائق..
حين ظهرت الترجمة الفرنسية لهذه الملحمة الشعرية، للشاعر السعودي الراحل، قال عنها نقاد الادب الغربي، إنها قصيدةٌ ملحميةٌ، ترقى إلى مصاف شعر الزنوجة الذي ابتدعه *الرئيس السنغالي الأسبق ليوبولد سنغور وايمي سيزار* ..
القصيبي استعاد حكاية *سحيم* وجعل منه انموذجاً انسانياً يخاطبُ البشريةَ جمعاء، ورمزاً للتحرر من الظلم، الذي لحق ب *سحيم* بوصفه عبداً أسود..وهو الامر الذي جعل بعض النقاد في بريطانيا يلومون امبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس بسبب ما حاقت بأفريقيا من أضرار بسبب عنجهيتهم:
“Denunciation of Europe’s devastation of Africa, a decrying of the coldness and stiffness of the western culture and its lack of humane qualities..”
فرادةُ *سحيم* تكمنُ في احترافِه الشعرَ، تحدياً لعشيرتِه بني الحسحاس، وانتقاماً لنفسِه من نزعتِها العنصرية، متخذاً صورةَ العاشقِ، الشديدِ الذكورةِ، الذي اجتذب إليه، قلوبَ فتيات العشيرة، فتشبّب بهن، وأنشدهنّ أجمل القصائد وأشدَّها اباحيةً، مما زاد في اضطهاده، وصولاً إلى الحكم باحراقه حياً..
واستطاع الشاعر القصيبي في ملحمته، أن يحرّرَ العبدَ سُحيم، من هويته العربية، ليجعلَه رمزاً لشريحة هائلة، من البشر الذين اُضطهِدوا عرقياً او عنصرياً، جراء سوادِ بشرتِهم..
غازي القصيبي، في ملحمته، يفسحُ المجالَ للشاعر النوبي، لكي يرويَ مأساتَه، ويوردَ تفاصيل الساعات الأخيرة من حياته، قبل مواجهة الموت حرقاً..
ما يشد الانتباه في قصيدة *القصيبي* انها جعلت *سحيم العبد* معشوقا من قبل نساء العشيرة ..
فها هي *سمية* – احدى عشيقاته، تسميه *الغراب الاسحم*:
*كانت سمية اول بنت تحب الغراب،*
*واول بنت تقول غراب وسيم وسيم*
*وساعتَها صرتَ ابهى الرجال،*
*وما زلتَ ابهى الرجال،*
*وأجمل من هؤلاء،*
*شديدي البياض،*
*شديدي الانوثة رغم اللحى والشوارب..*
*اجمل من هؤلاء الرجال النساء…*
هكذا يمضي القصيبي في دفاعِه عن سُحيم، على لسان احدى عشيقاته البيضاوات..
ثم يشعر العبدُ بوخزة دونيته، التي فرضتْها عليه حمية قبيلته فيتساءل القصيبي على لسانه:
أيمكن أن يكونَ للعبدِ دمٌ كدمِ الاحرار:
*أننزفُ نحن العبيدُ دماً،*
*ام هو الحبرُ أسودٌ في لونِ سَحْنتِنا*..!
أما المسرحيةُ الشعريةُ، التي كتبها شاعرُنا محمد المكي ابراهيم، عن *سُحَيْم* فلم اطّلع عليها، ولكني حُظيتُ قبل سنوات، بحضور امسيةٍ ثقافيةٍ، في النادي النوبي، في الخرطوم، تطرّقَ فيها الشاعرُ إلى اشكاليةِ الهويةِ السودانية، الافروعربية، من خلال استعراضِ مأساةِ الشاعر النوبي، سُحيم عبد بني الحسحاس، على عُجالة…واطلق عليه شاعرُنا لقبَ النوبي، باعتبار ما كانت عليه بلاد النوبة من توسع وانتشار، امتدَّ حتى بلاد الحبشة والصومال وارتيريا وغيرها…وحين سألته تلك الأمسية في مركز عبد الكريم ميرغني؛ أكّد لي ردّه على سؤالي، والذي طرحتٌه عليه في سياق ما دار من حديث عن الغابة والصحراء؛ أنه قرر ألا يعود من جديد، لفكرة تلك المسرحية الشعرية، التي وُئدت قبل أن تكملَ نموَها….