
إبراهيم سالكا يكتب.. “رائدة التعليم.. د. عرفة تضيء سماء الككر من جديد”
تشرق الككر اليوم على فجر جديد، وهي تحتفل بتدشين مدرسة الككر الجديدة، في مشهد مفعم بالفخر والأمل، يختصر قصة كفاح طويلة، قادتها الدكتورة عرفة محمد محمد خير بإيمان لا يعرف الانكسار، وعزيمة لم تلن أمام الصعاب. إنها لحظة تتجاوز كونها افتتاحاً لمبنى تعليمي، لتصبح رمزاً لانتصار الإرادة والعمل الجماعي في قريةٍ عُرفت بعراقتها وأصالتها وروحها المتماسكة.
منذ بداياتها، آمنت الدكتورة عرفة أن التعليم ليس جدراناً وأسقفاً، بل هو مشروع لبناء الإنسان قبل المكان. فوضعت بصمتها في كل تفاصيل الحلم، من فكرة التأسيس إلى لحظة الافتتاح، مستنهضة همم أبناء الككر الذين التفوا حولها بصدق وحماس، لتتحول المدرسة إلى ثمرة تعاون مبارك بين سواعد الرجال وقلوب النساء وجهود الشباب.
ليست هذه الخطوة الأولى في مسيرة العطاء، فالدكتورة عرفة كانت – وما زالت – مثالاً للمرأة السودانية القوية التي تصنع الفارق في كل موقع تخطو إليه. من قبل، قادت مبادرة “السقيا من النيل” التي غيرت وجه الحياة في القرى المجاورة، إذ جلبت المياه إلى بيوت الناس وحقولهم بعد سنوات من العطش والمعاناة، في مشروع إنساني خالد سيظل شاهداً على قوة الإيمان بالخير والعطاء.
ولم يتوقف عطاؤها عند ذلك، بل امتد إلى المدارس القائمة، صيانةً وتجديداً وتطويراً. رممت الفصول، أصلحت الأسقف، أضافت فصولاً جديدة، وجهزت المقاعد، ووفرت بيئة تعليمية تحفظ كرامة التلاميذ وتفتح أمامهم آفاق المستقبل. تعمل في صمت، لكن أثرها يملأ المكان ضياءً، فالعطاء عندها لا يحتاج ضجيجاً، يكفيه الإخلاص.
مدرسة الككر الجديدة هي إذاً امتداد طبيعي لتلك المسيرة المضيئة، ونتيجة لروحٍ جماعية جسدها أبناء القرية بوعيهم وإصرارهم على إتمام كل مشروع يبدأونه. في الككر لا يعرف الناس المستحيل، لأنهم يؤمنون أن ما يُزرع بالنية الطيبة يُثمر، مهما طال الطريق.
اليوم، يقف الماء المتدفق من النيل، والمدرسة الجديدة التي شُيّدت بجهود أبناء القرية، شاهدين على أن النهضة لا تصنعها الشعارات، بل تصنعها الأيدي الصادقة والعقول المؤمنة بالعمل.
نسأل الله أن يوفق الدكتورة عرفة في مسعاها، وأن يعينها على مواصلة رسالتها النبيلة، وأن يسدد خطى أبناء الككر من مهندسين ومعلمين ومتخصصين يسندونها بكل ما أوتوا من جهد وفكر، حتى يكتمل هذا الصرح الكبير ويكون عنواناً للفخر ومعلماً من معالم الخير والعلم في القرية، وأن يبارك الله في رجالها ونسائها الذين جعلوا من خدمة الناس عبادة ومن العمل الخيري نهجاً وسلوكاً يومياً يعيد للأرض خصوبتها وللحياة معناها.