
حمّى الذهب ومكاتب التجنيد.. هل يتكرّر سيناريو “الدعم السريع” في السودان؟
الغد السوداني _ متابعات
يعكس توسّع القوات المساندة للجيش في الولايات الواقعة شرق وشمال ووسط البلاد صورةً مطابقة لسيناريو نشأة وتوسّع قوات “الدعم السريع” في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، عندما حصلت على مناجم الذهب والسلاح والحماية السياسية قبل سنوات.
في مدينة وادي حلفا بالولاية الشمالية، أعلنت كتيبة “البراء بن مالك” المتحالفة مع الجيش فتح مكتب للتجنيد العسكري أُطلق عليه “قطاع وادي حلفا”، وانضمّ عشرات الشبان إلى التدريبات تمهيدًا للانضمام رسميًا إلى هذه الكتيبة.
في أيار/مايو 2025، كان المجلس الأعلى لأهالي وادي حلفا قد رفض وجود “الميليشيات المسلحة” بالمحلية، وقال إنّ الوضع العسكري يجب أن يكون من مسؤولية الجيش فقط.
سرعان ما تحطّم هذا الرفض أمام عسكرةٍ واسعةٍ للحياة في مدن السودان، وفق ما يقول رامي عبده، الناشط في مجال حقوق الإنسان بالولاية الشمالية، مشيرًا إلى أنّ الولاية الشمالية تواجه أكبر معضلتين، تتمثل الأولى في فتح مكاتب للميليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش، والثانية في انخراط المجموعات المسلحة في التنقيب عن الذهب شمال البلاد.
ويحذّر رامي عبده مما أسماها “القنبلة الموقوتة” بسبب التعدين وعسكرة الحياة العامة بالولاية الشمالية، معبّرًا عن مخاوفه من وجود رغبةٍ وسط الميليشيات المسلحة للتوسّع شمال السودان للعمل في قطاع التعدين، والحصول على الأموال وتمويل نفسها من خلال السيطرة على المناجم على حساب البيئة وموارد المواطنين.
وتابع: “نحن نحصل على معلومات متواترة عن دخول حركاتٍ مسلحة في قطاع التعدين شمال السودان، وهذا يثير قلق المواطنين من اندلاع أعمالٍ جديدة”.
بينما تدافع كتيبة “البراء بن مالك” عن توسّعها إلى الولايات الآمنة الواقعة تحت سيطرة الجيش، وتقول إنها تعمل على مسارين: الأول تجهيز المقاتلين ضد أي احتمالاتٍ قادمة، خاصة مع تحرّكات “الدعم السريع” في منطقة المثلث شمال السودان، أما المسار الثاني فهو “الإسناد المدني” ومساعدة المجتمعات على تجاوز آثار الحرب.
وتؤكد كتيبة “البراء بن مالك”، التي تعمل تحت إمرة الجيش، أنها تحظى بقبولٍ واسعٍ وسط الشبان للانضمام إلى عملية التجنيد العسكري، وإذا توقفت الحرب فهي على استعدادٍ للتخلّي عن البنادق والتوجّه إلى القطاع المدني.
في الأثناء، لم يتوقف توسّع قوات “درع السودان” المتحالفة مع الجيش بقيادة أبو عاقلة كيكل في عدد من الولايات، بما في ذلك ولايات كسلا والقضارف والشمالية، كما أعلنت قوات “درع أبو حمد” رسميًا انضمامها إلى “درع السودان”.
وأجرت قوات “درع السودان”، التي يقودها كيكل العائد من صفوف “الدعم السريع” في تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى التحالف مع الجيش، توسّعًا في تشكيلاتها العسكرية، كما موّلت عددًا من المشاريع التنموية بولاية الجزيرة، من بينها تشغيل بعض محطات المياه، وسط انتقاداتٍ من الناشطين المؤيدين للديمقراطية والحكم المدني خشية تكرار سيناريو قوات “الدعم السريع” مرة أخرى.
ويشير مصعب محمد الهادئ، الناشط في قضايا الانتهاكات وجرائم الحرب بولاية الجزيرة إبّان سيطرة قوات “الدعم السريع”، إلى أن قوات “درع السودان” ساعدت بقوةٍ على استرداد الولاية بين كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير 2025، لكن هذا لا يعني منحها “صكًا مجانيًا” لتفعل ما تشاء وتطرح نفسها بديلًا للقوى المدنية والأحزاب السياسية والنقابات العمالية.
وتابع: “جميع القوات التي نشأت خارج هيكل الجيش كانت تردّد أنها على استعدادٍ للدمج والتسريح، لكن هذه الوعود تبخّرت بمجرد توسّعها اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، كما فعلت قوات الدعم السريع” .
ويرى الهادئ، أن القوات المساندة للجيش يجب أن تكون في جبهات القتال لا المدن الآمنة، وعندما تتوقف الحرب سواء بعوامل التسوية أو الحسم العسكري، عليها أن تبدأ في تفكيك نفسها وتسليم الأسلحة إلى الجيش، والإعلان رسميًا عن تسريح القوات ودمجها في المجتمعات لتتحوّل إلى الحياة المدنية.
وتابع: “هجمات الدعم السريع على وسط البلاد كانت تستدعي حمل السلاح، وبعد أن هُزمت ميدانيًا في هذه الولايات، فإن عسكرة الحياة في هذه المناطق ستعطّل الإنتاج وتزيد من رقعة الانتهاكات بحق المدنيين، لذلك فالواجب يُحتّم على الجيش إخراج جميع القوات المساندة من المدن الآمنة”.
“نقلاً عن الترا سودان”