
برك الخريف تصنع المأساة.. أوبئة تنهك مواطني النيل الأبيض
النيل الأبيض – مبارك على
كشّر موسم الخريف هذا العام عن وجهه القاسي في ولاية النيل الأبيض، مستغلاً هشاشة البنية التحتية وظروف الحرب التي أقعدت السودان، ليتحول المشهد الصحي إلى مأساة يومية. فالأمطار الغزيرة خلّفت بركاً ومستنقعات تحاصر المدن والقرى، فيما تحولت الأمراض الوبائية إلى كابوس يثقل حياة المواطنين.
في ربك والدويم وكوستي والجبلين، يتزايد عدد المصابين يوماً بعد يوم، وسط أوضاع صحية واقتصادية خانقة. لم تعد الملاريا وحمى الضنك والالتهابات التنفسية مجرد أرقام في تقارير رسمية، بل أصبحت حضوراً دائماً في تفاصيل الحياة اليومية.
تقول سلوى محمد يوسف، من مدينة الدويم:
“لم يعد يمر يوم دون أن نسمع عن إصابة أحد الجيران أو الأقارب. المستشفيات تعمل بطاقتها القصوى لكنها غير قادرة على استيعاب الأعداد. الأمطار حوّلت الميادين إلى برك آسنة وفرخت أسراب البعوض التي لا يصدها حتى الناموس.”
المرافق الصحية نفسها تقف على حافة الانهيار. إذ يؤكد الطبيب محمد أحمد الهادي من أحد مستشفيات الولاية:
“نستقبل عشرات الحالات يومياً، معظمها إصابات بالملاريا والالتهابات الصدرية، لكن ضعف الإمكانات ونقص الأدوية يجعل مهمتنا شديدة التعقيد.”
وزارة الصحة بالولاية لم تُخفِ خطورة الموقف. أحد مسؤوليها – فضّل حجب اسمه – قال:
“نواجه ضغطاً غير مسبوق في ظل غياب الدعم المركزي وانسحاب المنظمات الإنسانية التي كانت تسد الفجوات. الأرقام الحقيقية أكبر مما نعلن، لأن عدداً من المرضى يعالجون في المنازل بعيداً عن رصدنا.”
في المقابل، يحمّل الناشط المجتمعي عبد الجليل إبراهيم عبء الأزمة للأسر الفقيرة:
“الأدوية أصبحت باهظة الثمن، والكثيرون يلجأون للعلاج التقليدي لغياب البدائل. الملاريا وحمى الضنك تنهشان جسد إنسان النيل الأبيض، بينما المستشفيات مكتظة والبعوض لا يترك الناس ليلاً أو نهاراً. حتى الكهرباء المنقطعة فاقمت المعاناة وجعلت الليالي جحيماً مكشوفاً.”
في ظل هذا الواقع، يطالب مواطنو الولاية بتدخل عاجل من المنظمات الإنسانية، وتوفير الأدوية المنقذة للحياة، ودعم المستشفيات بالكوادر والإمدادات. فالأزمة لم تعد مجرد موسم عارض، بل تهديداً حقيقياً لحياة الآلاف.
وعلى المستوى القومي، تشير إحصاءات وزارة الصحة السودانية إلى تسجيل ما بين مليوني إلى ثلاثة ملايين إصابة بالملاريا سنوياً، تتحمل البلاد وحدها نصف الوفيات في إقليم شرق المتوسط. وأكثر من 87% من الحالات ناجمة عن الملاريا المنجلية، أخطر أنواع الطفيليات المسببة للمرض. لكن شهادات الميدان تكشف أن الواقع أكثر قسوة بكثير مما تورده الأرقام الرسمية.