
دارفور.. حصار يفاقم المأساة وأوبئة تفتك بالمدنيين
دارفور.. حصار يفاقم المأساة وأوبئة تفتك بالمدنيين
تقرير: محجوب عيسى
يجد المدنيون في إقليم دارفور أنفسهم عالقين بين نيران الحرب وحصار خانق، وبين أوبئة قاتلة تنتشر بسرعة مقلقة. فالإقليم، الواقع غرب السودان، يواجه اليوم أسوأ أزمة صحية منذ عقود، مع تفشي الكوليرا وحمى الضنك والملاريا والتيفوئيد، في ظل انهيار شبه كامل للقطاع الصحي ونقص حاد في الأدوية والمحاليل الوريدية والكوادر الطبية.
أرقام صادمة
مصادر طبية أكدت لـ”الغد السوداني” تسجيل أكثر من 12,800 إصابة بالكوليرا منذ بداية التفشي، بينها 543 وفاة. كما رُصدت 829 إصابة بحمى الضنك، إلى جانب عشرات الإصابات بالسل وأمراض الطفولة، دون إحصاءات دقيقة حول التيفوئيد والملاريا.
وتشير تقديرات إلى أن نحو 600 ألف شخص يواجهون مجاعة حادة وسوء تغذية واسع النطاق، بينهم أطفال ونساء حوامل ومرضعات وكبار سن، ما أدى إلى ضعف المناعة وزيادة انتشار الأوبئة.
“مشهد كارثي”
أخصائية الأوبئة وعضو اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء، د. أديبة إبراهيم، وصفت الوضع الصحي في شمال ووسط دارفور بأنه “كارثي بكل المقاييس”. وأوضحت أن القطاع الصحي مشلول تقريبًا بعد إغلاق معظم المستشفيات، مشيرة إلى تسجيل 3 آلاف حالة وفاة بين حديثي الولادة بسبب غياب الرعاية الطبية الأساسية.
كما نبهت إلى أن أقسام النساء والتوليد من بين الأكثر تضررًا، حيث تعاني 15 ألف امرأة حامل و6 آلاف مرضعة من سوء التغذية والأمراض المصاحبة.
وطالبت د. أديبة بفتح ممرات آمنة وتدخل عاجل من وزارة الصحة والمنظمات الدولية، مؤكدة أن وقف الحرب شرط أساسي لاحتواء الكارثة.
أرقام متزايدة من مناطق النزوح
من جانبه، كشف المتحدث باسم تنسيقية النازحين واللاجئين، آدم رجال، تسجيل 137 إصابة جديدة بالكوليرا و15 وفاة خلال أيام قليلة، ليرتفع العدد التراكمي إلى أكثر من 12,800 إصابة.
وأشار إلى أن مناطق مثل طويلة (5545 إصابة و80 وفاة) وقولو بجبل مرة (1329 إصابة و52 وفاة) تتصدر معدلات التفشي، تليها مخيمات النزوح الكبرى في كلمة وعطاش ودريج، إضافة إلى مدن مثل زالنجي ونيالا.
وزارة الصحة: “كارثة منسية”
وزارة الصحة السودانية، في بيان صدر 19 سبتمبر 2025، وصفت الوضع بأنه “كارثة إنسانية منسية”. وأكدت تسجيل 12,305 إصابة بالكوليرا و515 وفاة، مشيرة إلى أن الاستجابة تواجه عقبات كبيرة بسبب نقص الإمدادات الطبية وتفاقم سوء التغذية، خاصة بين الأطفال.
أسباب بيئية
خبير الأوبئة د. محمد بدر الدين أرجع تفشي الكوليرا وحمى الضنك إلى التدهور البيئي الناجم عن الحرب، من دمار في البنية التحتية وتراكم للنفايات، إضافة إلى تكاثر البعوض. ودعا إلى حملة شاملة لإصحاح البيئة وتوفير مستشفيات متنقلة ومحاليل وريدية، بجانب دعم الكوادر الطبية المحلية.
رواية مغايرة من وزارة الصحة
وزير الصحة السوداني، د. هيثم محمد إبراهيم، أكد في مقابلة مع الجزيرة نت تراجع حالات حمى الضنك، مشيرًا إلى أن أكثر من 80% منها يمكن علاجها منزليًا، وأن معدل الوفيات لا يتجاوز 0.2%.
ونفى الوزير وجود فجوة دوائية، مؤكدًا أن الأدوية والمحاليل متوفرة نسبيًا في المستشفيات الحكومية، بينما أدى الإقبال المكثف على شرائها من الصيدليات الخاصة إلى نفاد بعضها سريعًا.
أزمة إنسانية شاملة
بين حصار يقطع شرايين الإمداد الصحي، وأوبئة تتفشى على نطاق واسع، ومجاعة تهدد مئات الآلاف، يقف إقليم دارفور أمام واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، وسط مناشدات محلية ودولية بضرورة التحرك العاجل قبل أن تتسع دائرة الموت.