هبة محمود فريد تكتب.. “أهمية المجتمع المدني في صياغة السياسات”

تُعرَّف السياسات العامة بأنها منظومة من القرارات والخطط والبرامج والمشروعات والتشريعات التي تعتمدها الدولة لمعالجة قضايا ذات أولوية، وتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية محددة. فهي أداة الحكومة في إدارة الموارد والتفاعل مع بقية مكونات الدولة من مجتمع مدني وقطاع خاص، وليست مجرد نصوص أو إجراءات جامدة، بل عملية ديناميكية تعكس موازنة مصالح متباينة، وتجسد خيارات الدولة في مواجهة تحدياتها.

ويُطلق مصطلح “صنّاع السياسات” على مجموعة الفاعلين الذين يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في صياغتها. فهناك الفاعلون الرسميون ممثلون في السلطة التنفيذية بأجهزتها، والسلطة التشريعية ببرلماناتها، إلى جانب السلطة القضائية. وفي المقابل، يبرز الصنّاع غير الرسميين الذين لا يملكون سلطة اتخاذ القرار، لكنهم يمارسون تأثيرًا واسعًا في رسم اتجاهات السياسات ومضامينها.

ومن بين هؤلاء، يتقدم المجتمع المدني باعتباره فاعلًا محوريًا في عملية صناعة السياسات، إذ يشمل منظمات طوعية، وتنظيمات قاعدية، وأحزاب سياسية، ومراكز بحثية، إلى جانب وسائل الإعلام. وتعمل هذه المكونات بشكل تكاملي على رصد القضايا العامة، ودفعها إلى جدول أولويات السياسات، بما يضمن استجابة الحكومات لاحتياجات المجتمع الفعلية.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، تتضح أهمية المجتمع المدني في صياغة السياسات العامة من منظور معياري، أي وفق ما ينبغي أن يكون عليه دوره في تعزيز الحوكمة الرشيدة ودعم التنمية المستدامة.

فهو أولًا، يحدد الأجندة العامة عبر رصد التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وفتح النقاشات حولها، ودفعها نحو طاولة القرار. كما يضمن إيصال أصوات المواطنين، خاصة الفئات المهمّشة والضعيفة، مما يعزز شرعية السياسات ويقوي ثقة الجمهور بالحكومة. كذلك يضطلع المجتمع المدني بدور “الرقابة الشعبية” لضمان الشفافية والنزاهة ومساءلة المسؤولين.

ثانيًا، يقدّم خبرة ميدانية ومعرفة محلية تساعد على صياغة سياسات واقعية وملائمة للسياق. كما يرفع مستوى التوعية بالقضايا العامة، ويؤثر على الأجندة السياسية، ويقترح حلولًا مبتكرة قد تعجز عنها الحكومات منفردة.

وثالثًا، يقوم بدور التوازن والرقابة لمنع تركّز السلطة، ويعزز المشاركة الديمقراطية، ويبني القدرات من خلال تمكين المواطنين على الانخراط الفاعل في الحوكمة. كما يساهم في تسوية النزاعات عبر الحوار وبناء التوافق بين المجتمع والحكومة. وعلى المدى الطويل، يضمن توافق السياسات مع قيم المجتمع واحتياجاته بما يعزز استدامتها.

وعليه، فإن المجتمع المدني ليس مجرد مشارك في صناعة السياسات العامة، بل هو قوة دافعة رئيسية تجعل الحوكمة أكثر شمولًا ومساءلة واستجابة لتطلعات المواطنين.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.