عن أم سارة والجندي: أمهات الرياضيين يستحقنَّ أيضاً الفوز بالميداليات الأولمبية

بعد تحقيقه رقماً قياسياً جديداً في منافسات فردي الرجال للخماسي الحديث بأولمبياد باريس ركض أحمد الجندي نحو أمه لتحتضنه ثم ليحملها فرحاً، وقد همست له:”مش قلت لك هتكسب…”.

بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية في باريس، عادت البعثة المصرية إلى القاهرة، وكان على رأس العائدين أحمد الجندي وسارة سمير المتوّجان بميداليتين: ذهبية وفضية، في اليوم ما قبل الأخير من الأولمبياد، ليصبح رصيد البعثة المصرية 3 ميداليات وبترتيب 52 في جدول البطولات.

خرج أفراد البعثة من مطار القاهرة الى مقر اللجنة الأولمبية في موكب صغير، واحتفلت بالجندي وسارة مجموعة كبيرة من الأصدقاء والرياضيين والأهل والصحافيين، الذين نشروا صور احتفاء المستقبلين بحاملي الميداليات، كما انتشرت صورة لسيدة بسيطة تحتفي بإنجاز ابنتها سارة، وصور أم أحمد الجندي وهي تحتفل بفوزه في باريس وبتسجيله رقماً قياسياً جديداً.

فرحة أم سارة وأم أحمد التي رأيناها، ليست فرحة أم بنجاح ابنها فقط، بل نجاحها شخصياً، فالكثير من أمهات الرياضيين لا يقتصر دورهن على الدعوات بالتفوق بعد الصلاة، ولا على إعداد وجبة غداء متكاملة العناصر، بل يتساوى دورهن مع دور المدرب، فهي تتحول الى طبيب نفسي وخبير تغذية ومرشد تنمية بشرية وسائق محنك في الشوارع المزدحمة للحاق بموعد التمرين، وهي أيضاً طبيبة للجروح والكدمات والشد العضلي، والكثيرات ينفقن على هذه التمارين في غياب الأب.

هل تذكرون أم سفيان بوفال؟

في نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 التي أُقيمت في الدوحة، خطفت أم لاعب المنتخب المغربي سفيان بوفال الأنظار، إذ ظهرا سوياً في لقطات مصورة وهو يعانقها عقب تأهل المغرب للدور الثاني للبطولة، فبعد الفوز على كندا صعد سفيان الى المدرجات وأهداها قميصه وطبع قبلة على رأسها.

ثم بعد ذلك وبعد فوز المنتخب المغربي على البرتغال في استاد الثمامة، هرعت إليه والدته في الملعب ليرقصا ممسكين بأيدي بعضهما أمام الجماهير التي صفقت وهتفت معهما، وانتشرت صور الأم البسيطة التي تشبه أمهاتنا جميعاً وهي مبتهجة وعينها على ابنها، فرحة تُلخص الكثير من سنوات التعب والدعم والثقة في الوصول، وأيضاً امتنان الابن لهذا كله.

ذهبيّة أم أحمد الجندي

بعد تحقيقه رقماً قياسياً جديداً في منافسات فردي الرجال للخماسي الحديث بأولمبياد باريس، وإعلان فوزه بالميدالية الذهبية، وبعدما اطمأن وانتهت المنافسات، ركض أحمد الجندي نحو أمه لتحتضنه ثم ليحملها فرحاً، وقد همست له:”مش قلت لك هتكسب… لو إنت مش متأكد أنا كنت متأكدة أنك هتنجح”.

أم أحمد السيدة منى شفيق وهي طبيبة، تساند ابنها منذ أن كان في السادسة من عمره، وأتاحت له في البداية بكل صبر وطول بال أن يمارس كل الألعاب ليخوض منها ما سيستهويه ويبرع فيه، وكذلك أخوه محمد والذي بدأ بلعبة الاسكواش ثم تركها وتوجه للعبة الخماسي الحديث مثل أخيه، ولكنه لم يستطع التأهل للأولمبياد كما فعل أحمد.

شارك أحمد في 2017 في أول بطولة عالمية وفي 2018 خاض بطولات العالم لشباب، وفي أولمبياد 2018 حقق ذهبية، وفي أولمبياد طوكيو حاز الفضية، أما أمه فقد حازت الفرحة والفخر والطمأنينة.

دعوات وزغاريد أم سارة

أما سارة سمير، بطلة رفع الأثقال والتي حصدت فضية في أولمبياد باريس في نهاية منافسات الخطف والنطر في رفع الأثقال بوزن 81 كغم بمجموع أوزان 268 كغم- فهي فتاة من قرية الهوانية بالإسماعيلية، وأن تنشأ فتاة في قرية وتتوجّه لممارسة الرياضة في مركز شباب القرية، وبخاصة رفع الأثقال، وهي بعمر الحادية عشرة هو أمر صعب، ولكنها وجدت دعماً من أسرتها، وتحديداً من أمها وأخيها.

أول بطولة شاركت فيها سارة كانت بطولة أفريقيا بتونس في عام 2012، حينها كانت في الـ14 من عمرها، فحققت الميدالية الذهبية لوزن 63 كيلوغراماً، وبعد عامين سافرت في دورة الألعاب الأولمبية للشباب في ناجينغ بالصين وحصدت الذهبية أيضاً، ثم انطلقت لبطولة الشباب في بولندا لتحقق ثلاث ذهبيات عام 2015، وصولاً الى فضية باريس والتي زغردت لها أمها في المطار وهي تستقبلها وتحتضنها.

وبتعدّد البطولات التي حضرتها سارة، تعددت السفريات مع البعثات بعيداً عن أسرتها، ولم تجد رفضاً لسفرها أو حثها للبقاء في البيت حتى تنهي دراستها وتتزوج كغالبية الفتيات، وبخاصة فتيات القرى. بل كانت والدتها تدعو لها وتدعمها دائماً وتثق في قدراتها.

يخشى كثر من الأمهات الريفيات وقاطني الأماكن الشعبية على بناتهن من أمور عدة، منها كلام أهل القرية أن الفتاة لا يجب أن تسافر وأن تبيت وحدها بعيداً عن الأسرة، أو أن يزاملها في رحلة البعثة أو حتى رحلة المدرسة أولاد وشباب، كما أن ممارسة الرياضة هي أمر غير معتاد للفتيات في القرى، وأن تنجو سارة من كل هذا الخوف وتمارس الرياضة وتمارس حقها في الاختيار هو معجزة كان جزء كبير في حدوثها ألا تخاف الأم من كلام الناس والجيران.

الأم البطل الأول في حياة الأبناء

الدكتور سكوت تي أليسون، أستاذ علم النفس بجامعة ريتشموند، توصل بعد إجرائه استطلاعات رأي، إلى أن 25 في المئة من الأميركيين يرون “أن الأم هي البطل الأول في حياتهم”، يليها الأب بنسبة 16 في المئة، وربط أليسون بين براعة تلبية الأمهات لاحتياجات أطفالهن الأساسية، وهي التغذية والسلامة الجسدية والحب والعاطفة والدعم النفسي والروحي.

وكما تعلمنا، فإن التسلسل الهرمي للاحتياجات البشرية المعروف بهرم ماسلو، يشتمل على 5 احتياجات، 4 منها بيولوجية أساسية تبدأ من قاعدة الهرم وواحدة في القمة لتحقيق الذات للفرد.

يقول أليسون: “الأم تطعمك وتحميك وتحبك وتساعدك على التواصل مع الآخرين وتشجعك على أن تقدم أفضل ما لديك”، موضحاً أنها بذلك تحقق بالضبط “الوظائف الأربع المهمة للبطل”، التي حددها علماء النفس، وهي: توفير الدفاع والحماية، تجسُّد الذكاء والحكمة، نموذج السلوك الأخلاقي، تعزيز النجاح والإلهام.

“نقلا عن موقع درج”