“نقطة تحول”.. بارا: مستقبل الحرب السودانية بين التصعيد والتسوية

محجوب عيسى

صحفي سوداني

الغد السوداني _ تقرير اخباري

استعاد الجيش السوداني وحلفاؤه السيطرة على مدينة بارا الاستراتيجية في ولاية شمال كردفان بعد معارك عنيفة مع قوات الدعم السريع، في خطوة قد تشكل نقطة تحول في مجريات الحرب بالسودان. وتعد بارا موقعاً محورياً يربط عدة ولايات، علاوة على انها تؤثر على خطوط الامداد، ما يجعل السيطرة عليها ذات أثر كبير على موازين القوى ومسار النزاع بين الحل العسكري والتسوية السياسية المحتملة.

اعلان سيطرة:
استعاد الجيش السوداني وحلفاؤه، السيطرة على مدينة بارا بولاية شمال كردفان من قبضة قوات الدعم السريع بعد معارك عنيفة.
وقال مكتب المتحدث باسم الجيش في بيان: نعلن اليوم دخول قواتكم مدينة بارا عنوة وعزيمة واقتدارا وتطهيرها من دنس الأوباش.
وأكد البيان أن القوات المسلحة بكل مكوناتها ماضية بعزم ويقين على طريق النصر خطوة بخطوة، ومرحلة مرحلة حتى تطهير كامل السودان من دنس المليشيا والمرتزقة والعملاء.

أهمية بارا
كانت قوات الدعم السريع قد سيطرت منذ الأشهر الأولى لبدء النزاع في 15 أبريل 2023 على بارا ذات الموقع الاستراتيجي، حيث اتخذتها نقطة انطلاق لمهاجمة مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان. كما أن المنطقة كان يمر بها إمداد القوات القادم من غرب السودان إلى أم درمان إبان تواجد الدعم السريع في الخرطوم.
ومن شأن السيطرة على البلدة، وهي مقر نظارة عرقية “دار حامد”، تأمين مدينة الأبيض من الجهة الشرقية وإمكانية ربطها بمدينة أم درمان حال إبعاد الدعم السريع من جبرة الشيخ و رهيد النوبة، وهي مناطق ما تزال تتواجد فيها قوات الدعم السريع.
وفي ذات السياق أكد اللواء أمين مجذوب، خبير إدارة الأزمات بمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، في إفادة لـ”الغد السوداني” إن مدينة بارا تمثل منطقة استراتيجية لكونها تربط ولاية الخرطوم بكل من ولايات شمال كردفان والشمالية والنيل الأبيض، إضافة إلى شمال دارفور، مما يجعلها ملتقى طرق ذا أهمية استراتيجية كبيرة في العمليات العسكرية الجارية.

تغيير موازين:
وأوضح مجذوب أن سيطرة الجيش على بارا من شأنها تغيير موازين القوى، وفتح الطريق نحو تأمين شمال وشرق مدينة الأبيض، فضلاً عن تعزيز المسار باتجاه غرب كردفان. كما أشار إلى أن هذا التطور قد يتيح للجيش التحرك لاحقاً نحو مدن مثل النهود، الخوي، أم كدادة والفاشر.
وأضاف: أن التطورات الميدانية الحالية سيكون لها تأثير مباشر على مسار الحرب والتسوية، حيث يظل الخياران المطروحان هما الحل العسكري أو المفاوضات. لكنه لفت إلى أن طرفي النزاع يميلان في الوقت الراهن إلى الاستمرار في العمليات العسكرية، معتبراً أن هذا ينعكس في استهداف مواقع مدنية وعسكرية على حد سواء.
وبين مجذوب أن غياب أرضية مشتركة للتفاوض في الوقت الراهن، لا سيما مع التطورات الميدانية التي تصب بحسب تقديره في صالح الجيش، يجعل من المرجح استمرار العمليات خلال الفترة المقبلة. وتوقع أن يصل الجيش إلى أهدافه الميدانية خلال شهر أو شهرين، مشيراً إلى سيناريوهات تشمل التحرك شمالاً وشرقاً وصولاً إلى النهود وأم كدادة والفاشر، إضافة إلى إمكانية تحركات باتجاه بابنوسة لدعم القوات المتمركزة هناك.
وختم محذوب بالقول: إن الوضع الراهن لا يعكس توازناً بين الطرفين، وإنما يعكس على حد وصفه تفاوتاً بين قوة وأخرى أضعف منها.

تشكيل تحالفات:
أما الخبير في الشأن السياسي السوداني د. الفاتح محجوب فقال لـ “الغد السوداني”: إن مدينة بارا تُعد ذات أهمية استراتيجية، إذ تربط بين مناطق شبه الصحراء والصحراء في كردفان، وكل من دارفور وأم درمان. ويرى أن موقعها يسهم في تعزيز حركة الاتصال وفتح طرق نحو مدن مثل الفاشر والنهود والدبيبات.
وأضاف محجوب: أن سيطرة الجيش على مدينة بارا قد تؤثر على موازين القوى في المنطقة، وتعيد تشكيل التحالفات المحلية بحكم الطبيعة الاجتماعية والجغرافية لقبائل كردفان. كما أشار إلى أن هذه التطورات قد تساهم في تسريع وتيرة العمليات الميدانية.
وفي ما يتعلق بمستقبل الصراع، توقع أن يظل سيناريو المفاوضات أو التسوية السياسية مطروحا، مشيرا إلى أن طبيعة الحرب الطويلة واستمرار الخسائر تجعل من الصعب تحقيق حسم عسكري دائم. وأكد أن تكلفة القتال على المجتمعات المحلية قد تكون دافعا إضافيا للبحث عن حلول سياسية تقلل من تداعيات النزاع.

خسائر مدنية:
وتسبب القصف المتبادل بين الجيش والدعم السريع بمدينة بارا في مقتل 3 مواطنين وجرح 14 آخرين، وفقا لما أوردته شبكة أطباء السودان، التي شددت على أن حماية المدنيين وعدم التعرض لهم واجب أخلاقي وقانوني لا يقبل التهاون، وأن استهداف الأحياء السكنية والمناطق المدنية يُشكل خرقا واضحا للقانون الدولي الإنساني وتهديدا لحياة الأبرياء.
وطالبت الشبكة جميع أطراف النزاع بالالتزام الصارم بمبادئ القانون الإنساني الدولي، ووقف الاعتداءات التي تطال المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الطبية والإنسانية في مناطق الصراع دون عوائق.

ردود الفعل:
وبعد وقت وجيز من إعلان السيطرة على بارا، خرج سكان مدينة الأبيض في مظاهرات عفوية احتفالا بطرد الدعم السريع.
وقال والي ولاية شمال كردفان عبد الخالق عبد اللطيف لدى مخاطبته المسيرة الجماهيرية إن الانتصار في بارا يمثل هدية للشعب السوداني وللقوات المسلحة، خاصة سلاح الهجانة وهو فصيل الجيش الرئيسي في إقليم كردفان.
وأعلن جاهزية حكومة الولاية وشعبها لرد الجميل للقوات المشتركة ومواصلة دحر التمرد في دارفور بعد أن تم دحره من كل بقعة في كردفان.
وأشار إلى أن المنطقة تمثل محطة لانطلاقة جديدة نحو المزيد من الانتصارات.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.