هل يدخل العالم من جديد في حالة طوارئ صحية جراء تفشي جدري القرود؟

أعلنت منظمة الصحة العالمية “حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً” بعد تفشي مرض جدري القردة في أفريقيا، بحيث توسعت بقعة انتشار هذا الفيروس في الآونة الآخيرة لتشمل المزيد من البلدان في أفريقيا، التي لم تكن متأثرة بالفيروس سابقاً.

ويعتبر هذا أعلى مستوى إنذار عالمي من منظمة الصحة العالمية، مسلطاً الضوء على التهديد المحتمل الذي يشكله هذا الفيروس على الدول في جميع أنحاء العالم. فهل نشهد قريباً انتشار وباء جديد حول العالم يعيد بنا الذاكرة إلى جائحة كوفيد وفترات الإغلاق الشامل؟

يعدّ التفشي الحالي أكثر انتشاراً من أي تفشٍ سابق في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وقد وصل إلى البلدان المجاورة، بحيث أبلغت 13 دولة في أفريقيا حتى الآن عن حالات إصابة بفيروس جدري القردة، وتشهد القارة الأفريقية ارتفاعاً هائلاً في الإصابات  بنسبة 160% في عام 2024 مقارنة بعام 2023، كما يشهد عام 2024 زيادة بنسبة 19% في عدد الحالات والوفيات مقارنة بعام 2023، ويبدو أن المتغير المكتشف حديثاً أكثر خطورة وقابلية للانتقال، ولقد توفي أكثر من 500 شخص حتى الآن.

ويزداد القلق بشأن جدري القردة في أعقاب جائحة كورونا التي تسببت في وفاة حوالي 15 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، واستناداً إلى تقرير صحيفة “The Guardian” البريطانية، يهدف إعلان الطوارئ الصادر عن منظمة الصحة العالمية إلى تحفيز الوكالات المانحة والبلدان على العمل، وفي هذا الصدد، حث الخبراء الطبيون على ضرورة تسريع الوصول إلى الاختبارات واللقاحات والأدوية العلاجية في المناطق المتضررة للحد من الانتشار السريع للمرض.

وكانت قد سجلت السويد حالة إصابة واحدة من السلالة الجديدة من فيروس جدري القردة مُشكّلةً بذلك أول حالة تُسجّل خارج قارة أفريقيا، ورفعت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأوروبية (ECDC) مستوى تقييم المخاطر إلى معتدل، وحذرت من أن “الانتشار الأكبر في جميع أنحاء أوروبا أمر محتمل للغاية”. في حين أكّد هانس كلوغي المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لأوروبا، خلال مؤتمر صحافي أن “جدري القرود ليس كوفيد الجديد”، مشيراً إلى أن “السلطات الصحية في أوروبا تمتلك المعرفة والأدوات اللازمة للسيطرة على انتشار المرض”، كما قال: “يمكننا ويجب علينا العمل معاً لمكافحة جدري القرود”، وأضاف: “الاختيار بيدنا، فهل سننفذ الأنظمة اللازمة للسيطرة على جدري القرود والقضاء عليه على مستوى العالم؟ أم سنكرر دورة الذعر والإهمال؟ سيكون ردنا الآن وفي المستقبل اختباراً حاسماً لأوروبا والعالم”.

جدري القردة هو مرض فيروسي شديد العدوى يسببه فيروس من فصيلة الفيروسات الجدرية، وهو مرض حيواني المنشأ، أي ينتقل من الحيوانات إلى البشر، وغالباً ما تُسجل الحالات بالقرب من الغابات الاستوائية الممطرة حيث توجد حيوانات تحمل الفيروس. تم اكتشاف الفيروس لأول مرة في الدانمارك سنة 1958 في القرود التي تم الاحتفاظ بها للأبحاث، وسجلت أول إصابة بفيروس جدري القردة بين البشر في العام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

يوجد نوعان من فيروس جدري القرود، يعتبر النوع الأول أو ما يعرف ب Clade I أكثر فتكاً بكثير، بحيث يتعرض نسبة أعلى من المصابين به للإصابة بالأمراض الخطيرة أو الوفاة مقارنة مع النوع الثاني أو ما يعرف ب Clade II، ويبدو أن Clade Ib – فرع من النوع الأول، هو الذي يقود بشكل أساسي تفشي المرض في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبلدان المجاورة، وأن الأطفال معرضون له بشكل خاص.

يمكن أن ينتقل فيروس جدري القردة من شخص إلى آخر من خلال:

الاتصال المباشر مع الطفح الجلدي أو القشور من شخص مصاب.

اللمس أو التقبيل أو الاتصال الجنسي.

الاتصال باللعاب وإفرازات الجهاز التنفسي العلوي (البلغم، المخاط) والسوائل الجسدية.

الإلتقاء وجهاً لوجه مع الشخص المصاب أثناء التحدث أو التنفس مما يؤدي إلى توليد الجزيئات التنفسية المعدية.

المواد الملوثة مثل الملاءات او الملابس أو الإبر.

من الحامل إلى الجنين أثناء الحمل أو إلى المولود أثناء أو بعد الولادة.

يعاني الأشخاص المصابون غالباً بطفح جلدي يظهر على اليدين والقدمين والصدر والوجه أو الفم أو بالقرب من الأعضاء التناسلية، ويبدو الطفح الجلدي في البداية على شكل بثور أو فقاعات ولكنها تتغير مع الوقت، وقد تتسبب بالألم أو الحكة وتمر بعدة مراحل قبل أن تلتئم نهائياً، وتتكون طبقة جديدة من الجلد. وتشمل الأعراض الأخرى لجدري القردة الحمى، والقشعريرة، وآلام العضلات، وآلام الظهر، والصداع، وتورم الغدد الليمفاوية، والإرهاق، والتهاب الحلق، وتستمر الأعراض عادة مدة تتراوح من أسبوعين إلى أربع أسابيع وقد تمتد لفترة أطول لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف في المناعة. يعتبر الأطفال والحوامل والأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي معرضين للإصابة بمضاعفات هذا المرض وقد تشكل خطراً على حياتهم.

وتوصي منظمة الصحة العالمية بالتطعيم فقط للأشخاص المعرضين للخطر، مثل الأشخاص الذين كانوا على اتصال وثيق بشخص مصاب بجدري القردة، أو الأشخاص الذين ينتمون إلى المجموعة الأكثر عرضة للخطر. بالتالي، لا يُنصح بالتطعيم الجماعي ضد جدري القردة.

تعاني أفريقيا حالياً من نقص حاد في إمدادات لقاحات جدري القردة، وتقدر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا أن هناك حالياً حوالي 200,000 جرعة متاحة مقارنة بالحاجة إلى ما لا يقل عن 10 ملايين جرعة، استناداً إلى تقديرات من البلدان التي أعدت خطط التطعيم. ويبدو أن جمهورية الكونغو الديمقراطية ليس لديها تقريباً أي وصول إلى اللقاحات، وذلك يعود إلى مزيج من العوامل، ومنها التأخيرات التنظيمية المحلية، والرد الدولي البطيء، ونقص الأموال الشديد. يبلغ سعر جرعة اللقاح الواحدة مائة دولار أميركي، وهو سعر باهظ يجعل من الصعب على الحكومات، وخاصة تلك المثقلة بالديون، تمويل برامج تطعيم واسعة النطاق. على الرغم من التبرعات التي قدمتها بعض الدول الغنية، إلا أنها لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات الملحة.

إستناداً إلى تقرير صحيفة “The Guardian” البريطانية، ناشد المسؤولون الصحيون الأفارقة المجتمع الدولي عدم فرض حظر سفر على البلدان التي تعاني من تفشي جدري القردة، بل بدلاً من ذلك، دعم القارة في نشر الاختبارات والتطعيمات. وقال الجنرال جان كاسيا رئيس مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في إفريقيا: “لا تعاقبوا أفريقيا”، “نسمع من هنا وهناك أنكم تريدون تطبيق حظر السفر… نحن بحاجة إلى التضامن، نحتاج منكم تقديم الدعم المناسب، هذا اللقاح مكلف”.

وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية 1.45 مليون دولار أميركي من صندوق الطوارئ الطارئ الخاص بها، وتناشد المنظمة المانحين تمويل كامل الاحتياجات اللازمة للاستجابة لجدري القردة،  وقد قدر المبلغ بـ 15 مليون دولار أميركي كتمويل أولي لدعم أنشطة المراقبة والاستعداد والاستجابة لتفشي مرض جدري القرود.

وقالت الدكتورة ماتشيديسو مويتي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لأفريقيا، إن المنظمة تعمل جاهدة للسيطرة على تفشي جدري القردة في أفريقيا بالتعاون مع الحكومات والمجتمعات المحلية والقيام بإجراءات دولية منسقة لدعم البلدان في إنهاء تفشي المرض. كما أعلنت مؤسسة Gavi, the Vaccine Alliance أنها تسعى لتسريع التعاون من أجل الشراء المباشر للقاحات جدري القردة لدعم الاستجابة للتفشي.

وكانت قد تلقت مؤخراً مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا وعوداً من الاتحاد الأوروبي وشركة “بافاريا الشمالية” لصناعة اللقاحات والولايات المتحدة واليابان بالحصول على جرعات اللقاح في الأيام القليلة القادمة.

إن الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبلدان الأفريقية المجاورة لها يدعو إلى التحرك السريع من قبل المجتمع الدولي والجهات المانحة، لتقديم المساعدة واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الانتشار السريع للمرض، وهنا لا بد من التركيز على أهمية وضرورة العمل الآن ومستقبلاً على تحقيق العدالة والمساواة في توزيع اللقاحات على مستوى العالم، الأمر الذي يتطلب وضع خطط طويلة الأجل، بما في ذلك نقل تكنولوجيا إنتاج اللقاحات إلى الدول النامية.

“نقلا عن موقع درج”