السودان يفقد 37 % من الطاقة المنتجة وبرمجة قطوعات تصل 12 ساعة فى اليوم

عاصم إسماعيل

صحفي سوداني

رسم خبراء ومختصون صورة قاتمة لقطاع الكهرباء فى السودان عقب التدمير الكبير الذى اصاب المحطات ومحولات وكوابل الكهرباء من قبل مليشيا الدعم السريع، وقدر خبراء إجمالي الخسائر بنحو خمسة مليارات دولار،وقالوا أن القطاع فقد أكثر من 37% من الطاقة المنتجة، في وقت تحتاج فيه عمليات الصيانة مابين تسعة الى عشرة شهور اذا توفر التمويل اللازم لعمليات الصيانة واعادة التاهيل.
وقال وزير الطاقة والنفط المعتصم ابراهيم خلال الاجتماع الثاني للجنة العليا المعنية بتهيئة البيئة العامة لعودة السكان إلى ولاية الخرطوم، أن قطاع الكهرباء تكبد خسائر تجاوزت 1.7 مليار دولار نتيجة الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، وأشار إلى أن الأضرار شملت قطاعات التوزيع والنقل والمحطات التحويلية.
ولازال الكهرباء تواصل انقطاعها فى ظل برمجة قاسية على المواطن فى وقت ترتفع فيه درجات الحرارة الى اكثر من 45 درجة يوميا فى حين تعيش مناطق متعددة فى اظلام تام بسبب ضعف التيار وسرقة المحولات والكيبلات التى تربط ولاية الخرطوم والولايات الاخرى، وقدرت ادارة الكهرباء اطوال الخطوط المتعطلة بحوالى 150 الف كلم تم تخريبها من قبل مليشيات الدعم السريع ابان تواجدها داخل العاصمة الخرطوم فى وقت تبذل فيه ادارة الكهرباء جهود لاعادة التيار الكهربائي الذى يواجه بعقبات الاستمرار والقطوعات المستمرة تصل الى ست ساعات وتمتد الى 12 ساعة فى اليوم.
وطالب عدد من المواطنين عبر منصات التواصل الاجتماعي بضرورة نشر جدول زمني واضح لعودة التيار الكهربائي، وتقديم تفاصيل دقيقة عن المناطق الأكثر تأثرًا، إلى جانب توفير قنوات اتصال فعالة للإبلاغ عن أي أعطال قد تظهر بعد انتهاء أعمال الصيانة. كما أبدى البعض قلقهم من احتمال امتداد ساعات الانقطاع إلى ما بعد الوقت المعلن.
التقديرات الاولية تشير الى ان الشبكة القومية للكهرباء فى السودان فقدت نحو 15 ألف محول بسعات مختلفة، تم تدميرها بالكامل بواسطة مليشيات الدعم السريع حيث تبلغ قيمة المحول الواحد 46 ألف دولار، كما بلغت اطوال الكوابل التي نهبت من الخرطوم بهدف الحصول على النحاس نحو 150 ألف كيلومتر، وفقدت شركات الكهرباء كامل مخزونها من المعدات الحيوية التي كانت مخزنة في مستودعاتها، والتي تم نهبها بالكامل من قبل قوات الدعم السريع. وتشمل هذه الخسائر أكثر من 500 محول كهربائي تتراوح قيمة الواحد منها بين 12 إلى 46 ألف دولار، إلى جانب عشرة آلاف متر من الكوابل بمقاسات مختلفة، تتراوح قيمة المتر الواحد منها ما يعادل 400 إلى ألفي دولار.
هاجس ومعضلة حقيقية للعائدين :
وفى الاثناء يقول مواطنون ان قطوعات الكهرباء وعدم توفرها بصورة منتظمة اصبحت تشكل معضلة حقيقية وهاجس للمواطنيين فى السودان خاصة الذين قرروا العودة الى العاصمة الخرطوم والولايات الاخرى مثل ولاية الجزيرة وسنار بعد فترة نزوح ولجوء استمرت لعامين، ورغم الجهود المبذولة من ادارة الكهرباء الا ان عدم الاستدامة والاستقرار ساهم الى حد كبير فى احجام المواطنيين عن العودة الى منازلهم كما واجهت خطط الحكومة الرامية الى انتقال بعض مؤسساتها الى العاصمة بالتاجيل خاصة المؤسسات الاقتصادية مثل البنوك والشركات الكبرى والمصانع الامر الذى جعل الخرطوم اشبه بالعاصمة المهجورة رغم مرور اكثر من ثلاثة اشهر من تحريرها من المليشيات.
ومع تطمينات ادراة الكهرباء بقرب الانتهاء من الصيانات المطلوبة عقب التخريب الكبير الذى قامت به مليشيات الدعم السريع وتجريف الخطوط وسرقة الكوابل وتدمير المحطات التحويلية فى كل من محطة (الجيلى ومحطة قرى وشرق النيل ومدينة بحرى) الا ان مدير الكهرباء يقول ان الضرر الذى اصاب المحولات والخطوط الناقلة اكبر بكثير من المجهودات التى تبذل فى عمليات الصيانة التى تحتاج الى توفير تمويل كبير لاستدامة العمل وعدم توقفه.
مواطنون ابدوا انزعاجهم من الاظلام التام الذى يلف الولاية، المواطنه ست النفر بابكر قالت ان المعيشة فى الخرطوم اصبحت صعبة نتيجة لغلاء الاسعار وعدم وجود اعمال، كما ان الكهرباء تعد المحرك لكثير من الاعمال خاصة المصانع وتستفيد منها ربات البيوت فى التدبير المنزلى مع انعدام بعض الاسواق وبعدها عن المناطق السكنية التى تتطلب مجهودا ماليا يوميا وهو ما لم يتوفر لكثير من المواطنيين، ويقول محمد موسي مواطن من بحرى ان الدمار الذى لحق باعمدة الكهرباء وتوصيلاتها اصبحت انقاض تحتاج الى كلفة عالية وكبيرة وقال هنالك متطوعون نشطوا فى عمل اعادة الكهرباء وتدخل بعض الخيرين فى المساهمة لاعادة التيار الكهربائي رغم شح الموارد.
ازمة فى البنية التحتية الناقلة والمنتجة :
ويواجه المواطنون في غالبية المدن أزمة الكهرباء جراء تأثر البنية التحتية الناقلة والمنتجة خلال الحرب، إلى جانب استهداف المدن الآمنة نسبيًا بالطائرات المسيرة، وتزايدت هذه العملية عقب خسارة قوات الدعم السريع للولايات الواقعة وسط وشمال وشرق البلاد بما في ذلك العاصمة الخرطوم، وشهدت بعض الولايات انقطاعا للكهرباء استمر لمدة 60 يوما اثر استهداف مسيرة للمحطة التحويلة الناقلة للكهرباء من محطة سد مروى والشبكة الناقلة الحقت ضرر بالبنية التحتية قبل ان تعود لاحقا حيث وصف كثيرون ما حدث بالاطفاء العام الذى ضرب شبكة الكهرباءما أثار حالة من الإرباك والقلق بين المواطنين، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتردي الخدمات الأساسية.
ورغم ان ادارة الكهرباء قد اعلنت عن تحسن وانفراجة فيما يتعلق بتقليل قطوعات الكهرباء فى مقبل الايام الا مصدر بمجلس التنسيق الاعلامى للكهرباء قال ان الانفراجة والتحسن فى استمرار التيار الكهربائي بالخرطوم سيكون فى حدود ست ساعات فى اليوم فقط، وقال ان الخطوط والمحطات تحتاج الى صيانات جديدة واستجلاب اسبير غير متوفر حاليا واضاف ما يحدث الان هو محاولة لاعادة الحياة الى طبيعتها وكل ذلك شكل مؤقت فقط اذا لم يتم توفير التمويل اللازم من الدولة لجلب الاسبيرات وصرف رواتب العاملين فى ادارة الكهرباء، وقال نعمل وفق المتاح حاليا اعتمادا على المناطق الاكثر كثافة سكانية ودون ذلك تظل وسط الخرطوم تحتاج الى تدخل الحكومة الاتحادية واضاف حاليا اطراف ولاية الخرطوم تبدو افضل من وسطها خاصة جنوب ام درمان وشمال بحرى وامدرمان من المناطق الاكثر وفرة للتيار الكهربائي.
3000 ميغاواط اجمالى الطاقة المنتجة فى السودان :
ويبلغ إجمالي الطاقة المنتجة في السودان من مصادر التوليد المائي والحراري أي ما يعادل 3000 ميغاواط، موزعة على سد مروي شمال السودان بطاقة 1250 ميغاواط، وسد الروصيرص بطاقة 565 ميغاواط، وسدي أعالي عطبرة وستيت بطاقة 320 ميغاواط، وخزان سنار بطاقة 15 ميغاواط، وخزان جبل أولياء بطاقة 22 ميغاواط. أما المحطات الحرارية فتشمل محطة أم دباكر بمدينة كوستي جنوب السودان بطاقة 520 ميغاواط، ومحطة بحري الحرارية بطاقة 410 ميغاواط، ومجمع محطات قري بطاقة 500 ميغاواط.
وينتج سد مروى 1250 ميقاواط حيث يعتبر الخط الناقل بين سد مروي ومحطة المرخيات من أهم البنى التحتية في منظومة نقل الكهرباء بالسودان،إذ يغذي نسبة كبيرة من الطلب الكهربائي في العاصمة الخرطوم، ولهذا فإن أي عملية صيانة تُجرى عليه تتطلب تنسيقًا فنيًا عاليًا لتقليل الانقطاعات غير المخططة.
ووفقا لمصادر مطلعة فان الأضرار التي لحقت بمحطة بحري الحرارية ومجمع محطات قري(1،2،4) أدت إلى فقدان أكثر من 37% من إجمالي الطاقة المنتجة في البلاد، كما ان محطة بحري الحرارية وحدها تعرضت لأضرار تقدر تكلفتها بأكثر من 115 مليون يورو، إذ تنتج 410 ميغاواط، أي ما يعادل نحو 30% من إنتاج سد مروي.
ويشير المصدر إلى أن المحطات الثلاث (قرى1 وقرى 2 وقرى4) التي دمرت كانت تنتج مجتمعة نحو 500 ميغاواط، وقد خرجت بالكامل من الشبكة القومية، ما يعني أن السودان فقد من محطتي بحري وقري أكثر من 910 ميغاواط، وهو ما يعادل نحو 75% من إنتاج سد مروي، فة وقت بلغ فيه إنتاج الكهرباء في السودان قبل اندلاع الحرب حوالى ثلاثة غيغاواط، مع وجود عجز يتجاوز 400 ميغاواط، إلا أن الإنتاج تراجع بعد الحرب إلى أقل من اثنين غيغاواط،وهو عجز كبير لن يظهر بشكل مباشر حالياً بسبب خروج القطاع الصناعي بالكامل من شبكة الكهرباء.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.