
جنوب السودان .. انهيار اقتصادى وهشاشة فى النظام المالي
الغد السوداني: جوبا
تعيش دولة جنوب السودان انهيارًا اقتصاديًا، وتفاقمًا في انعدام الأمن الغذائي، وصدمات مناخية، كل ذلك دون إجراءات عاجلة من جانب الحكومة. وأدّت تلك المشاكل الاقتصادية المرتبطة بالحرب الأهلية في السودان إلى انزلاق حكومة سلفاكير في أزمة مالية ضخمة، وارجع اقتصاديون من دولة جنوب السودان الازمة التى تمر بها الدولة الحديثة الى تفشي المحسوبية وهشاشة النظام المالى والاقتصادي اضافة الى الفساد وتراجع انتاج النفط بسبب حرب السودان ما شكل عقبة امام دفع رواتب العاملين، وتوقف نسبة ال3% المخصصة للمجتمع المحلي من عائدات النفط ما أثر بشكل كبير على دفع رواتب المعلمين لمدة عام كامل
وفي تطور قانوني يعكس تصاعد الأزمات المالية في جنوب السودان، تواجه الحكومة دعوى قضائية أمام محكمة عدل شرق إفريقيا بمدينة أروشا في تنزانيا، بعد أن تقدمت شركة مملوكة لرجل الأعمال إيّي دوانق إيّي بشكوى ضد وزارة المالية والتخطيط القومي، تتهمها بخرق اتفاق تسوية ملزم تبلغ قيمته أكثر من 1.05 مليار دولار أمريكي. الدعوى، التي تم تسجيلها بتاريخ 8 أبريل 2025، تستند إلى عدم التزام الحكومة بسداد ديون تعاقدية ناتجة عن اتفاق تم توقيعه في 13 فبراير من العام ذاته، تعهدت فيه الوزارة بدفع المستحقات على مدار 24 قسطاً شهرياً تبدأ في 28 فبراير، إلا أن أي دفعة لم تُسدّد حتى الآن، رغم المطالبات المتكررة من قبل الشركة.
وقال مختصون ان ازمة جنوب السودان الاقتصادية تتعدد اسبابها نتيجة للاضرابات السياسية والتى ادت الى توقف انعقاد مجلس الوزراء لعدة اشهر باعتباره محرك الحوكمة في جنوب السودان. فالمادة 109 من دستور جنوب السودان الانتقالي تمنحه صلاحيات واسعة كأعلى سلطة تنفيذية مسؤولة عن صياغة السياسات، والموافقة على الميزانية، وتنفيذ القوانين. ومن ثم، فإن الشلل يعني عدم إمكانية اعتماد أي سياسات جديدة أو التصديق على أي ميزانيات، مما يجعل حكومة جنوب السودان مشلولة فعليا.
تدهور وارتفاع فى معدل التضخم :
وتدهور الاقتصاد الجنوبي بشكل كبير حيث ارتفاع معدل التضخم الى ارقام قياسية بلغت 145 % فى وقت انهارت العملة المحلية حيث يعادل الدولار الواحد 6100 جنيه جنوب سوداني، فى وقت تواجه فيه الدولة الافريقية الحديثة ديون متفاقمة تهدد بانهيار اقتصادى شامل نتيجة تراكم التزامات مالية ضخمة مرتبطة بعقود نفطية تقدر بحوالى 2.3 مليار دولار.
وتعاني البلاد من تراجع حاد في إنتاج النفط، الذي يُعد شريان الحياة الاقتصادي، حيث لم تعد الكميات المنتجة تكفي سوى لشحنة تصدير واحدة شهريًا. وفي ظل أسعار فائدة مرتفعة، أعلنت الحكومة عزمها وقف الاقتراض بضمان النفط، في محاولة للحد من تفاقم الأزمة.
وقال محافظ البنك المركزى فى جنوب السودان “اديس ابابا اوتو” أن هناك حاجة ملحة لطباعة النقود لتلبية الطلب المرتفع على السيولة، لكن على المدى المتوسط والطويل، نبحث في كيفية معالجة إدارة العملة، فى وقت حذر فيه اقتصاديون من أن زيادة المعروض النقدي دون نمو اقتصادي يمكن أن يخفض قيمة الجنيه جنوب السودان بصورة اكبر،ويزيد حدة التضخم.
وقال المحلل السياسي “بابويا جيمس” ان طباعة المزيد ستضعف الجنيه، والناس يخزنون النقود عوضا عن تداولها، لذلك فإن ضخ النقود لن يحل المشكلة.وحذر من أن هذه الخطوة، بدون إصلاحات هيكلية، يمكن أن تؤدي إلى تضخم جامح
وتوقع صندوق النقد الدولى أن يكون جنوب السودان صاحب أسوأ أداء اقتصادي هذا العام، مع توقف صادراته النفطية، ما أدى إلى تضخم مفرط ، وقال ان جنوب السودان يتصدر القائمة بمعدل نمو بلغ-4.31%. متراجعا عن توقعاته الاولية بان اقتصاد جنوب السودان من بين الأسرع نموًا في العالم لعام 2025م
ويقول مختصون ان الازمة تعود الى مزيج من الحرب الاهلية والفساد المرتبط بعقود النفط وتدهور البنية التحتية ما ادى الى تعدز حكومة “سلفاكير” فى الوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمعات المحلية والدولية.
نزاع السودان وتوقف الصادرات :
الاقتصادي دينق ماكور قال ان تراجع انتاج النفط وتوقف صادراته بسبب الاضرار التى لحقت به نتيجة نزاع السودان اثر بصورة كبيرة على الايرادات الحكومية وادى الى تضخم ونقص في السيولة واعتبر ان الحرب اثرت على اقتصاد جنوب السودان بعد تدفق اكثر من 800 الف لاجئ الى الجنوب بالاضافة الى تعطل سلاسل الامداد خاصة الوقود والمواد الغذائية كل ذلك شكل ضغطا على الموارد فى الجنوب واشار ماكور الى الاضرابات السياسية بما فيها تاجيل الانتخابات حتى العام 2026م مما كان له اثر سلبى على الاقتصاد ، وقال هذا ادى الى تقليل ثقة المستثمرين وتاخير تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الضرورية وزيادة وتيرة الفساد وسوء ادارة الموارد وقال بجانب انسحاب شركات نفطية “بتروناس” الامر الذى ترك فجوة فى الصناعة على الرغم من سعى شركة “نابليت” الحكومية لتولى الاصول الا ان نقص الخبرة والاستثمار الاجنبي قد يؤدى الى انخفاض فى الانتاج وزيادة الضغط على الاقتصاد.
وارجع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية الى توقف صادرات النفط وفقدان العائدات والاعتماد على التمويل النقدي لسد عجز الميزانية ونقص الاحتياطات من العملة الاجنبية ، وقال هذا التضخم اثر بصورة كبيرة على معيشة المواطنين وارتفعت اسعار السلع الاساسية وتدهورت القوة الشرائية واكد ان تاخر دفع رواتب العاملين الى اكثر من 13 شهرا اثر على تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وزيادة نسبة الفقر وانعدام الامن الغذائي وارتفاع معدلات الجريمة والاضطرابات الاجتماعية
بناء مصافى وخطوط انابيب جديدة :
واشار الى توجه حكومة”سلفاكير” للبحث وبناء مصاف وخطوط انابيب جديدة لصادر النفط نظرا للتحديات المرتبطة بالاعتماد على خط انابيب السودان عبر انشاء خطوط انابيب بديلة عبر كينيا او اثيوبيا وقال هذه الخطوات قد تقلل من الاعتماد على السودان وتزيد من الاستقلالية الاقتصادية، وطالب بضرورة العمل على تنويع الاقتصاد وتطوير الزراعة والاستثمار فى البنية التحتية الريفية وتعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار فى التعليم والتدريب المهنى واستغلال الموارد الطبيعة الاخرى مثل المعادن.
اما استاذ الاقتصاد جوزيف قبريال ارجع أسباب التدهور الاقتصادى الى عوامل اجتماعية، ثقافيه، سياسية مباشرة وغير مباشرة (منتج شامل) ما يشير إلى الانخفاض النسبي في مستوي النشاط الاقتصادي مع انخفاض فى مستوي الاستهلاك والرفاه رغم توفر كل امكانيات التقدم وتطوير النشاط الاقتصادى،ويقول لم تقم الحكومة بالاستخدام الامثل للموارد بطريقة فعالة
وقال منذ الفترة الانتقالية التى امتدت لست سنوات تدفقت اموال طائلة مليارات الدولارات الى حكومة جنوب السودان والتى تكفى لجعلها دولة مزدهرة اذا تم انفاق هذه الاموال فى مشاريع البنى التحتية وقطاع الصحة والتعليم، وارجع ذلك لعدم وجود خطة اقتصادية واضحة ومحددة المعالم يمكن السير على خطاها الامر الذى اثر على السلطتين المالية والنقدية وقال هذه السلطات لم تتجاوب مع موجهات وارشادات صندوق النقد والبنك الدوليين، اضف الى ذلك غياب الشفافية المالية فى عائدات النفط ما اثر بصورة سلبية على الاوضاع الاقتصادية.
واكد جوزيف ان حرب السودان فاقمت من الوضعية المحلية فى جنوب السودان ، مؤكدا ان الاوضاع الاقتصادية مرشحة للانهيار اذا لم تتوقف حرب السودان مبينا ان دولة جنوب السودان “ريعية”تعتمد فى صادراتها على عائدات النفط بنسبة 90 % ولا توجد لها صادرات أخري تذكر وإن وجدت بعض الصادرات الأخري والتي لم تهتم بها الحكومة كالتعدين الأهلي في ولاية شرق الإستوائية، واحدي المناطق القريبة من عاصمة البلاد “جوبا”.
وقال ان غياب الخطط الاقتصادية ادى الى انفلات فى التضخم رغم المعالجات الخاطئة التى تقوم بها السلطات وهى مسكنات ستزول بانتهاء مفعولها، وطالب باستقلالية البنك المركزى للقيام بواجبه فى التعامل مع المؤسسات وتشديد الرقابة على مصادر النقد الاجنبي ووقف المضاربات وتعاملات السوق الموازية ، واضاف لقد تضرر القطاع النقدى كثيرا نتيجة للتعاملات المباشرة مع الافراد وانتهازية اصحاب النفوذ.
واعتبر فكرة الحكومة البحث عن بدائل لصادر النفط امر مكلف “استهلاك سياسي” وقال على الحكومة البحث عن تنويع مصادر الدخل دون الاعتماد على ثروة ناضبة قد تكلف الدولة مستقبلا ، خاصة فى ظل وجود ثروات زراعية وسمكية تسهم فى زيادة الدخل القومى لدولة جنوب السودان.
صورة مقلقة للوضع المالى :
والى ذلك كشف تقرير حديث صادر عن لجنة خبراء الأمم المتحدة عن صورة مقلقة للغاية للوضع المالي في جنوب السودان، التقرير لا يسلط الضوء فقط على التناقضات الصارخة في سجلات الإنفاق الحكومي للعام المالي 2023/2024، بل يفضح أيضاً الديون المتراكمة وتحويلات الأموال” المشبوهة” التي تثير تساؤلات جدية حول الشفافية والمساءلة. ومع اعتماد الدولة بالكامل تقريبا على عائدات النفط، تشير النتائج إلى أن ضعف الرقابة وسوء الإدارة قد يعمقان الأزمات الحالية، بما في ذلك أزمة رواتب الموظفين الحكوميين المستمرة.
وذكر التقرير “منشور” أن الحكومة تمكنت بذلك من إنفاق إجمالي قدره 2.43 تريليون جنيه جنوب سوداني مقابل ميزانية تبلغ 1.78 تريليون جنيه فقط، ويعتمد اقتصاد جنوب السودان بشكل شبه كامل على مبيعات النفط.
ويشير التقرير إلى أنه وفقا للوثائق أنفسهم، تلقت كل فئة من فئات الإنفاق الميزانية أقل من المبلغ المخصص لها، ويذكر التقرير أكدت الحكومة منذ ذلك الحين،على سبيل المثال، أن أقل من نصف ميزانية الرواتب قد دفعت.
وبحسب التقرير، كان التنافس على موارد جنوب السودان المتناقصة واضحا في علاقة البلاد مع المقرضين التجاريين الذين قدموا عدة مليارات من الدولارات في شكل قروض منذ حوالي عام 2012. يتعين على الحكومة خدمة هذه القروض، التي يحمل العديد منها أسعار فائدة عالية، بمدفوعات منتظمة. ومع ذلك، منذ حوالي عام 2018، توقفت الحكومة إلى حد كبير عن سداد هذه القروض.