وزير المالية السابق بروفيسور إبراهيم البدوي يكتب.. “قسمة الموارد وفرصة ثورة ديسمبر الضائعة” (2)

المشروع الوطني السوداني بين رغائبية “دولة البحر والنهر” وأشواق “ثورة ديسمبر عائدة راجحة”

المقال الرابع: قسمة الموارد وفرصة ثورة ديسمبر الضائعة (2)

بقلم: بروفيسور إبراهيم أحمد البدوي، وزير المالية والتخطيط الاقتصادى السابق، والمدير التنفيذي، منتدى الدراسات والبحوث الإنمائية

نستعرض فى هذا المقال ملخصاً مختصراً لورقة “استراتيجية مكافحة الفقر من منظور بناء السلام وأهداف التنمية المستدامة في السودان: 2020-2030)، التي كُتبت في أبريل 2020. أشارت الورقة الى أن البلاد ترزح في ظل واقع اقتصادي مأزوم، وحالة سلام هش، وبالتالي تواجه تحدياً مزدوجاً يتمثل في خفض الفقر وتعزيز السلام المستدام. فبينما ظلت الحرب الأهلية في السودان ولسنين طويلة أحد أبرز معوقات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أصبح التفاوت الاقتصادي والتهميش في ظل اقتصاد متخلف بصورة عامة يشكل السبب الأهم للنزاعات وعدم الاستقرار السياسي. عليه، يتطلب انهاء النزاعات وبناء السلام المستدام كسر هذه الحلقة الجهنمية باعتماد استراتيجيات وخطط تنموية تتسق مع التفكير التنموي السائد في العالم، تماشيا مع أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في تحقيق السلام والعدالة. ومن هذا المنطلق، أطلقت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي عام 2020 خطة استراتيجية طموحة تستند إلى مقاربة مزدوجة تدمج بين مكافحة الفقر من جهة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدفين الأول (القضاء على الفقر) والسادس عشر (السلام والعدالة والمؤسسات القوية) من جهة أخرى. وتشمل الركائز الأساسية للخطة الاستراتيجية:

خط و معدل الفقر على المستوى القومي: باستخدام منهجية مؤشر حدوث الفقر المعتمدة على نطاق واسع في أدبيات اقتصاديات الفقر، حيث قدر معدل الفقر بحوالي 55.3%

مرونة الفقر لمعدل النمو: حيث قٌدِرت ب 1.5%-، أي إذا كان معدل نمو الناتج للفرد يساوي 1% فإن عدد الفقراء سينخفض بحوالي 1.5% من الإجمالي

تأسيساً علي الافتراضين أعلاه، حٌددت الأهداف الاستراتيجية التالية:

خفض نسبة الفقر من 50% إلى 25% بحلول 2030

تحقيق معدل نمو اقتصادي لا يقل عن 10% سنوياً مع معدل نمو للفرد 7%

تعبئة استثمارات تعادل 25% من الناتج المحلي سنوياً (بكفاءة استثمار 2.5 =25 ÷10، أي تحقيق نمو بمعدل 1% يحتاج لمعدل استثمار يساوى 2.5% من الناتج المحلى الإجمالي)

تمييز إيجابي لجهة تخصيص الموارد للولايات الأكثر فقراً

دمج عادل لموارد الذهب والنفط ضمن خطة قسمة الموارد الاتحادية

بعد الانتهاء من الفترة الزمنية المحددة لهذا الدعم الاستثنائي تعود الولايات إلى الأنصبة السابقة المعمول بها فيما يخص قسمة الموارد المعدنية والنفطية.

تخفيض الفقر يقتضي تخصيص الموارد وفقا لقواعد معينة لضمان العدالة في جهود محاربة الفقر بين الولايات وعبر الأفراد. على وجه الخصوص، فان تخصيص الموارد في باطن الأرض (النفطية والمعدنية) يجب أن يراعي:

هذه الموارد في الأساس موارد قومية تؤول للسلطة الاتحادية

في هذا الإطار تخصص نسب محددة (من اجمالي انتاج الولاية) لكل الولايات المنتجة على قدم المساواة

بالمقابل يتوجب على الولايات والأقاليم مراعاة تخصيص هذه الموارد بصورة تعطي تمييزاً إيجابياً للمحليات والمجتمعات الأكثر فقرا

اليات الاشراف والبنية المؤسسية لضمان التوظيف الفعال للتحويلات الاستثمارية:

إنشاء آلية مستقلة للرقابة والمساءلة بوزارة المالية الاتحادية بشأن توظيف التحويلات الولائية

إدماج الشباب والنساء والمجتمع المدني في تصميم الخطط التنموية

إصلاح نظام الحكم الفيدرالي لضمان الكفاءة والشفافية في استخدام الموارد

التمييز الإيجابي والتحويلات المالية للولايات الأكثر فقراً:

دون الدخول في توصيف النموذج الرياضي لتقدير حجم الاستثمار المطلوب لتمويل الاستراتيجية المنشودة، نفيد بأن حجم الاستثمار السنوي المطلوب يساوى 100 مليار جنيهاً (حوالى 1.5 بليون دولاراً، بحساب سعر الصرف المقدر وقتها ب 65 جنيهاً للدولار). عليه سيكون اجمالي الكلفة الاستثمارية العشرية (2020-2030) ترليون جنيهاً (أي 15 بليون دولاراً):

متوسط حجم الاستثمار السنوي للولاية يساوى 5.6 مليار جنيهاً (100 مليار جنيهاً مقسوماً على عدد الولايات الثمانية عشر)

الا أن الولايات المتأثرة بالحروب الأهلية (ولايات دارفور الخمس وولاية جنوب كردفان)، إضافة الى ولاية البحر الأحمر والتي تعاني تاريخياً من التهميش والنزاعات الأثنية، ستحصل على تحويلات استثمارية إضافية تزيد عن المتوسط (المقدر ب 5.6 مليار جنيهاً) بكثير، نسبة لأن معدلات الفقر في هذه الولايات مرتفعة جداً مقارنة بمتوسط نسبة الفقر على المستوي القومي

تحديداً، سيحصل اقليم دارفور بولاياته الخمس على حوالى 33 مليار جنيهاً (500 مليون دولاراً) في السنة، أي ثلث اجمالي الاستثمارات العامة السنوية

ستحصل ولايتي النيل الأزرق وغرب كردفان على علاوة استثمارية (أعلى من المتوسط بقليل) رغم تأثرهما بالحروب الأهلية، حيث تقل نسبة الفقر الى حدٍ ما، بينما ستحصل ولايتي النيل الأبيض وشمال كردفان على تحويلات تساوى المتوسط (5.6 مليار جنيهاً) تقريباً

أخيراً، الولايات المتبقية (الشمالية، نهر النيل، كسلا، القضارف، الخرطوم، الجزيرة، سنار) والتي تقل فيها معدلات الفقر عن 50%، ستحصل على تحويلات استثمارية أقل من المتوسط

الا أن الولايات السبع أعلاه قد تستطيع خفض نسبة الفقر الى أقل من 25% نسبة لأنها أكثر قدرة من الولايات الأكثر فقراً على استقطاب استثمارات خاصة، إضافة الى التحويلات الاستثمارية من الموازنة الاتحادية التى تشمل كل الولايات حتى تلك التى لم تتأثر بالحروب والنزاعات بصورة مباشرة

بلا شك فان تخصيص الموارد على أساس التمييز الإيجابي للولايات الأكثر تأثراً بالحروب أو بالنزاعات الأهلية (كما فى حالة ولاية البحر الأحمر) يعتبر عاملاً جوهرياً في تحقيق السلام، وذلك من خلال:

توفير خدمات أساسية متكافئة

تعزيز فرص العمل والإنتاج المحلي

خفض دوافع العودة للنزاع

تعزيز العقد الاجتماعي واستعادة الثقة بين المركز والهامش

خاتمة:تكمن قوة هذه الاستراتيجية في دمجها بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمشكلة الفقر، ومعالجتها له كجذر أساسي للنزاع وعدم الاستقرار. وإذا ما قٌدر لها أن ترى النور وتم تنفيذها بفعالية، فإنها كانت ستمهد الطريق لواقع سوداني أكثر عدالة وتطوراً اقتصادياً واستقراراً سياسياً بحلول عام 2030.

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.