تحديات تمنع توحيد القوى المدنية السودانية

إسماعيل محمد علي ـ صحفي سوداني

 

إلى أي مدى بإمكان القوى المدنية السودانية الوصول إلى رؤية سياسية مشتركة تشكل ضغطاً لإيقاف الحرب وضمان استقرار السودان وعدم تفككه؟

ظل اختلاف القوى المدنية السودانية حول قضايا البلاد المتفاوتة متسيداً المشهد السياسي منذ فجر الاستقلال عام 1956، لكن ما حدث من تباعد وتشظ وتنافر بين هذه القوى خلال فترة الانتقال التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في الـ11 من أبريل (نيسان) 2019 لم يشهد له مثيلاً، إذ تسبب بصورة مباشرة في اندلاع الحرب المحتدمة حالياً بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ نحو 15 شهراً.

فما التحديات التي تواجه توحيد هذه القوى؟ وإلى أي مدى بإمكانها الوصول إلى رؤية سياسية مشتركة تشكل ضغطاً لإيقاف الحرب وضمان استقرار السودان وعدم تفككه؟

تجسير الهوة

يشير المحلل السياسي السوداني عروة الصادق بقوله “بكل تأكيد أن توحيد القوى المدنية السودانية يمثل في حد ذاته تحدياً مهماً في ظل الوضع الراهن الذي انقسمت فيه تلك القوى إلى معسكرين داعمين لأطراف الحرب، ومعسكر ثالث ينادي بضرورة الوقوف ضدها والمناداة بالسلام. وفي اعتقادي أن رفض الحرب ومشروع السلام يمثلان أهم مشتركات المرحلة، وما يجري حالياً من حراك سياسي لتوحيد القوى الحزبية والمدنية من أجل وقف الحرب واستعادة المسار الديمقراطي حلقة من سلسلة حلقات محلية وإقليمية ودولية، تعمل على ذات الغرض لتجسير الهوة بين الفرقاء، وللوصول إلى اتفاق حد أدنى لإنهاء الحرب واستعادة مكتسبات ومقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ انخرط ممثلو هذه القوى في اجتماعات مكثفة في جنيف ومن قبلها في أديس أبابا، وهناك دعوات أخرى تهدف جميعها إلى تأسيس جبهة مدنية موحدة رافضة للحرب وتعمل على إنهاء القتال بين الجيش وقوات ‘الدعم السريع‘ واستعادة المسار الديمقراطي”.

وأضاف الصادق “جميع هذه الجهود تأتي في وقت يتنافس فيه بعض قادة القوى المدنية لخطب ود أطراف الحرب، ولم يتبينوا خطورة الأمر إلا بعد تآكل أطراف البلاد وتداعي مؤسساتها وما لحق بها من دمار، وهذا الأمر على رغم سوئه فإنه يعجل بضرورة التوافق، لأنهم حتماً يستشعرون الألم الذي ألم بالسودانيين جراء انتهاكات الحرب. وفي ذلك يسعى الجميع وعلى رأسهم قيادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إلى بذل ما أمكن لخلق الاختراق المطلوب لوحدة الجانب المدني، إذ إن الأمر يتطلب تحقيق توافق أوسع بين الأطراف المختلفة وتجاوز الانقسامات السياسية والدينية والجهوية والمناطقية، لكن من المهم أن يكون هذا التوحيد مبنياً على ثوابت وطنية أهمها سيادة ووحدة البلاد أرضاً وشعباً، ورؤى مشتركة حول وقف الحرب وغوث المتضررين وجبر ضررهم، ووضع استراتيجيات فعالة للتصدي للتحديات الراهنة وتحقيق الاستقرار لاستعادة مكتسبات الحكم الانتقالي”.

وزاد “التحديات والعقبات كبيرة أمام وحدة الكيان السياسي السوداني، لكن الجهود المستمرة والتعاون الفعال يمكن أن يحققا التقدم المطلوب، على رغم أن كل الفصائل المدنية طرحت مسألة توحيدها كقوى شرطاً لإنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطي، فإن الجميع يسعى بأحادية إلى بلوغ مراميه بمعزل عن الآخر نظراً لخلافات حقيقية أو مصطنعة تسببت في فقدان الثقة بين كل الأطراف، وذلك نتيجة تباين وجهات النظر خلال الفترة الانتقالية، إذ استمرت القطيعة السياسية بين تلك القوى التي ظل يجسر هوتها دائماً المجتمعان الدولي والإقليمي، فيما مثل إذعان بعضها لإملاءات الخارج عاملاً في تأخير التوافق والحوار بينها بحسب متابعين، وبزوال هذه المسببات لا أستطيع الجزم بأنه سيتم تجاوز حال التنظيم كلياً، لكن بالإمكان خلق أجسام تحالفية كبرى لا تتعدى ثلاث كتل تضم كل هذه التوجهات المختلفة، وأتوقع إما وحدات اندماجية أو تحالفات استراتيجية انتخابية أو تحالفات تكتيكية لإدارة الانتقال”.

وختم المحلل السياسي “مطلوب من القوى السياسية العمل على تحديث برامجها وقياداتها وأطروحاتها وأفكارها لتوائم المستجدات ومخاطبة الواقع المتشكل حديثاً بعد حرب الـ15 من أبريل، وذلك بالتوافق الداخلي وتجاوز الانقسام التي يمكن أن يتفجر داخل تلك الأجسام أو التحالفات، وأن يعمل الجميع معاً على التواصل الفعال والعمل المشترك لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات والخبرات لتحقيق الأهداف المشتركة، وأن يعتمد الجميع نهجاً مدنياً حضارياً يؤسس لحوار مستمر بين الأطراف المختلفة كافة للتوصل إلى تفاهمات وحلول مشتركة لا تعزل أحداً أو الهيمنة على قراره، بالتالي لا بد أن يتحد الجميع متصدياً لجميع التدخلات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تغذي الحرب الأهلية وتمزق النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وأن تفتت أراضي السودان”.

انعدام الخبرة

وفي السياق أوضح الكاتب السوداني طارق الشيخ أن “هناك سمة عامة تربط بين الذين يعتلون المشهد السياسي اليوم من القيادات الشابة خصوصاً، وهي أنهم يشتركون في انعدام الخبرة السياسية إلا قلة قليلة، إضافة إلى أنهم نشطاء في ظل الظرف الثوري وتغيير الحكم، إذ وجدوا أنفسهم أمام معضلة التعامل مع واقع سياسي كبير وبالغ التعقيد، بالتالي فإن التحدي الأكبر الذي يواجههم هو التعامل بأفق أرحب وممارسة ديمقراطية مطلوبة، بمعنى الاتجاه إلى العمل الجماعي مع إشراك كل قوى الانتفاضة في الخطوات التي يقدمون عليها، وأن تكون كل الأوراق على المائدة خاضعة للنقاش والتفاوض من حولها، ولا يفيد تسجيل النقاط على الآخرين بل عمل جماعي بتجرد للخروج من الأزمة التي تواجه البلد والجميع معني بالخروج منها”.

وأردف الكاتب السوداني “المخرج من هذا المأزق يكمن في أن تجتمع القوى السياسية لصياغة مشروع سياسي يستند إلى المخرجات التي توصلت إليها العقول السودانية، ممثلة في برنامج الحد الاقتصادي الذي سبق انقلاب الإسلاميين عام 1989 ومروراً بمقررات أسمرا للقضايا المصيرية 1995، والدستور الدائم الذي تمت صياغته بمهنية عالية وغيرها من وثائق صيغت خلال الفترة الانتقالية السابقة بدلاً من البحث عن نقطة بعيدة، وفوق كل ذلك ضرورة إشراك الشعب في الخطوات التي تتخذ عبر المكونات الاجتماعية”.

تشوهات بنيوية

ومن جانبه قال الكاتب السوداني الجميل الفاضل “أتصور أن السودان الآن برمته على محك أن يكون أو لا يكون، وأعتقد أن نوع التحدي الماثل أمامه كدولة وشعب ھو تحدي وجود وبقاء، بالتالي فإن مثل ھذا التحدي من شأنه أن يطاول منظومات الدولة الرسمية كافة وغير الرسمية على حد سواء”.

وواصل الفاضل “لأن فاقد الشيء لا يعطيه فإن غالب القوى السياسية باتت بمثابة كيانات عالقة في ھذه المتاھة التاريخية، التي غرقت فيھا البلاد”.

ومضى الكاتب “في تقديري أن القضية ليست مجرد مسألة تباينات واختلافات وفروق تقليدية بالنظر إلى الواقع، بل إن المشكلة أن ھذه الأحزاب التي ننتظر منھا إنتاج رؤية مشتركة لإخراج السودان من مأزقه الراھن أضحت ھي نفسھا في حاجة إلى من يخرجھا من أزماتھا ومعضلاتها البنيوية والھيكلية”.