«هل ينجح ترامب في إنهاء حرب السودان؟ قراءة في فلسفة القوة وصفقة الإنعاش الاقتصادي»
بقلم: صفاء الزين
منذ أن عاد اسم دونالد ترامب يتردّد بقوة في السباق نحو البيت الأبيض، عادت معه أسئلة كثيرة إلى طاولة الأزمات الدولية، وفي السودان، الذي يشهد واحدة من أعقد الحروب في إفريقيا اليوم، يتساءل البعض: ماذا لو عاد ترامب؟ هل يمكن أن يحمل معه فلسفته الشهيرة «السلام عبر القوة»؟ وهل تصلح هذه الوصفة لإنهاء حربٍ طال أمدها وأثقلت كاهل البلاد وشعبها؟
ترامب لطالما تبنّى مقاربة تقوم على ممارسة أقصى الضغوط على الأطراف الخصمة، وفرض عقوبات صارمة، مع فتح باب الحوافز الاقتصادية في حال الاستجابة، هكذا تعامل مع كوريا الشمالية حين جمع بين التصعيد والقمم التاريخية والوعود باستثمارات ضخمة إن تخلّت عن برنامجها النووي، وهكذا تعامل مع إيران حين أعاد فرض عقوبات شاملة وألمح إلى صفقة جديدة بشروط أكثر تشددًا، في جوهر هذه الفلسفة أن القوة هي وسيلة لردع الخصوم ودفعهم للتفاوض بشروط أكثر ملاءمة للولايات المتحدة.
قد لا يكون السودان في مقدمة أولويات ترامب الخارجية، لكنه إن عاد، فقد يستخدم نفس الأدوات: مزيدًا من الضغط السياسي والاقتصادي على الأطراف التي تطيل أمد الحرب، وربط أي مساعدات أو خطة إعمار كبيرة بتسوية سياسية شاملة، وربما توسيع شبكة التفاهمات الإقليمية لاحتواء النزاع ومنع تمدده، في هذا الإطار، قد يرى بعض الفاعلين السياسيين في الداخل أن أسلوب ترامب قد يشكل فرصة للضغط على من يعطلون المسارات التفاوضية ويفتح نافذة لحلول قد تكون أكثر حسمًا.
ومع ذلك تُظهر تجارب سابقة أن الضغوط وحدها لا تصنع سلامًا مستدامًا إذا لم تدعمها تسوية حقيقية تعالج جذور الأزمات، فقد نجح ترامب أحيانًا في خلط الأوراق أو شراء الوقت، لكنه لم يستطع إنهاء الملفات كلها بشكل كامل، أما السودان، فطبيعة تعقيداته تتجاوز الملفات الأمنية إلى أزمات أعمق تتعلق بغياب التنمية، وضعف المؤسسات، وانقسامات مراكز القوى، وكلها تحتاج إلى معالجات جذرية لا تفرضها العقوبات وحدها.
ربما ينجح ترامب — لو عاد — في تحريك المياه الراكدة وفرض مسار أكثر جدية على الأطراف المنخرطة في الحرب، لكن يبقى مفتاح الحل الحقيقي في الداخل، فمهما كانت الضغوط كبيرة، لن تتحول الوعود الاقتصادية أو المساعدات الدولية إلى استقرار دائم ما لم تُبنَ على وفاق وطني واسع، ومصالحة سياسية عادلة، ومسار إصلاح يضمن توزيعًا منصفًا للثروة والفرص التنموية.
أخيرا: الفرصة ممكنة إذا جرى استثمارها بذكاء وإرادة، وحال أرسلت الإدارة الأمريكية مبعوثون بدرجة عالية من الاستيعاب للأزمة السودانية وبتفويض كامل مدعوم بقوة القرار الأمريكي والضغط الدولي، فالقوة قد تفرض هدنة، لكن الذي يصنع سلامًا دائمًا هو اتفاق السودانيين على بناء دولة عادلة تستعيد مؤسساتها وتطلق إمكاناتها، عندها فقط يمكن لأي دعم خارجي أو تفاهمات إقليمية أن تتحول إلى رافعة سلام حقيقية، لا مجرد هدنة قصيرة تنتظر جولة أخرى من النزاع.