دورة
اعلان ماس فيتالس

“خريف التحرير يطرق الأبواب”: الخرطوم تواجه السيول والأمطار

الغد السوداني_متابعات

يطرق خريف هذا العام الأبواب محملاً بكل ثقل وجراح التخريب والدمار الذي خلفته الحرب، وتتزايد المخاوف في معظم المدن وقرى السودان وولاية الخرطوم بصفة خاصة من تكرار الكارثة بصورة مضاعفة في تفشي الأوبئة والمشكلات المزمنة التي تعانيها البنية التحتية نتيجة الدمار المهول الذي لحق بها جراء الحرب.

وفي ظل مؤشرات إلى هطول أمطار غزيرة وتوقعات بفيضان كبير هذا الموسم، وانشغال البلاد بالحرب والمعارك، يثار الحديث حول مستوى التحوطات والاستعدادات لمجابهة توقعات أمطار وسيول وفيضانات هذا العام.

تحذيرات الخريف

وأطلق المتخصص في الأرصاد الجوية عوض إبراهيم، تحذيرات من أمطار كثيفة تتبعها سيول متوقعة بمعظم مناطق البلاد في هذا الموسم، اعتباراً من مطلع يوليو (تموز) الجاري ولمدة 10 أيام.

توقع إبراهيم في منشور على صفحته بمنصة “فيسبوك” تقدم الفاصل المداري حتى وسط مصر، مما يزيد فرص هطول الأمطار، خصوصاً في ولايتي نهر النيل والشمالية، داعياً الجميع لاتخاذ الترتيبات وتجهيز مجاري التصريف تحسباً للفيضانات المتوقعة.

أكثر غزارة

وتشير تنبؤات ومؤشرات الإنذار المبكر الصادرة عن هيئة الأرصاد الجوية السودانية، إلى أن موسم الأمطار الذي بدأ بالفعل سيشهد معدلات أكثر غزارة في كمياتها، وأوسع مظلة في الهطول من سابقه.

ووفقاً لتقارير هيئة الإرصاد السودانية، من المتوقع أن يكون معدل هطول الأمطار هذا الموسم أعلى من المعدل خلال الأسابيع المقبلة في ولايات البلاد الوسطى والغربية والشرقية.

توقعت الهيئة، أن تكون المناطق الشمالية الغربية من العاصمة الخرطوم أكثر تأثراً بالفيضانات الموسمية الناتجة من التدفقات المقبلة من الهضبة الإثيوبية عبر النيل الأزرق.

تحديات وجهود

وأوضح مصدر بالدفاع المدني، أن التنبؤات بخريف غزير هذا العام تفرض تحديات كبيرة على الأجهزة التنفيذية بالمركز والولايات كونها تستوجب تحضيرات جادة لمواجهة تلك التوقعات، مشيراً إلى أن الولايات الآمنة التي لم تصلها الحرب لم تتأثر بنياتها التحتية على العكس من تلك التي دمرت الحرب معظم بنيتها التحتية.

لفت المصدر إلى أن ولاية الخرطوم حدث بها خلل كبير في قنوات التصريف بسبب التدمير الواسع الذي حدث في بنيتها التحتية الهندسية، نتيجة لاحتلالها بواسطة الميليشيات لأكثر من عام، مما سيرتب على سلطات الولاية أعباء أكبر في مواجهة التحضيرات للخريف واستعادة منظومة مصارف السيول الأمطار.

تحديات مهولة

لفت المصدر إلى أن من التحديات الكبيرة التي تواجه الاستعدادات لموسم الأمطار والسيول والفيضانات هذا العام تتمثل إجمالاً في إفرازات الحرب من دمار وشح في الوقود والإمكانات والآليات التي تعرضت للنهب والتخريب، مبيناً أن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع المدني أرسلت الموجهات العامة لجميع وزارات التخطيط العمراني ولجان طوارئ الخريف بالولايات، للتحرك العاجل على مستوى المحليات الوحدات الإدارية التي يقع عليها عبء كبير في معالجة مصارف المياه السيول والأمطار.

وكان وزير الداخلية الفريق شرطة بابكر سمره رئيس المجلس القومي للدفاع المدني، تفقد مقر قوات الدفاع المدني بالعاصمة الخرطوم مؤكداً توفير الدعم وكل المتطلبات اللازمة لها حتى تتمكن من لعب دورها وتقديم خدماتها.

أشاد سمرة بما ظلت تقدمه قوات الدفاع المدني من خدمات كبيرة خلال معركة الكرامة في مجالات التطهير والتعقيم ونقل الجثث وفى حالات التدخل السريع عقب تحرير المدن من قبضة الميليشيات المتمردة إلى جانب أعمال الدفاع المدني في إطفاء الحرائق ومعالجة المواد المتفجرة والتعامل معها بطرق آمنة.

تحضيرات الولايات

على مستوى الولايات يتركز العبء الأكبر في مواجهة تداعيات فصل الخريف والسيول والفيضانات انطلقت منذ نهاية مايو (أيار) الماضي، اجتماعات غرف طوارئ الخريف الولائية للنظر في الاستعدادات والتحوطات اللازمة لتفادي كوارث السيول والفيضانات المتوقعة.

ومع البداية المبكرة لموسم الأمطار بالعاصمة الخرطوم، حيث شهدت مناطق متفرقة منها أمطاراً متوسطة خلال اليومين الماضيين، تسابق سلطات الولاية الأمطار لإخلاء جثث الشوارع.

وأعلنت سلطات الولاية عن بدء الاستعدادات لفصل الخريف، استناداً إلى تنبؤات بهطول أمطار غزيرة وتحسباً لارتفاع مناسيب النيل، وشرعت لجنة طوارئ الخريف بالولاية في وضع الخطط الوقائية لمكافحة الأوبئة وأمراض الخريف.

احترازات مبكرة

ووقفت لجنة الطوارئ برئاسة الوالي المكلف أحمد عثمان حمزة، على الإجراءات الاحترازية لمواجهة تحديات تجهيز البنية التحتية وتنسيق الجهود لتجنب الآثار السلبية لموسم الأمطار، بالتوازي مع تعزيز خطط مكافحة الأمراض الموسمية والصحة العامة. وأكدت اللجنة أن التحضيرات هذا العام ستشمل جميع محليات الولاية السبع بعدما اكتمل تحرير الولاية من ميليشيات “الدعم السريع”.

وكشفت هيئة الطرق والجسور، عن خطة لتطهير 3 آلاف كيلومتر من المصارف، وتعزيز أنظمة الحماية من السيول والصرف الميكانيكي، مبينة أن نهب وتخريب الآليات الذي تعرضت له الهيئة يمثل أبرز التحديات التي تجابهها.

معالجات وحلول

وفي ولاية نهر النيل وجه وزير البنى التحتية رئيس غرفة الطوارئ سمير سعيد، بوضع كافة المعالجات الفنية والهندسية اللازمة بالمناطق التي تأثرت خلال الأعوام السابقة والأخذ في الاعتبار عدم حدوث أي تدخلات تؤثر سلباً في بعض المناطق.

واستعرض الوزير في اجتماع موسع ضم غرفة الطوارئ وجمعية الهلال الأحمر السوداني ومدير الدفاع المدني بالولاية، الوضع في مناطق الهشاشة والمناطق المتأثرة سابقاً بمحليات الولاية والحلول المقترحة لمعالجتها.

تدابير صحية

وبحث اجتماع تنسيقي لقطاع الصحة بالولاية، الاستعداد لطوارئ الخريف وتحديث خريطة الخدمات الصحية.

وشددت مدير الإدارة العامة للطب الوقائي بوزارة الصحة بالولاية حفصة محجوب، على الحاجة إلى تدابير صحية خاصة ومجهود مضاعف خلال فصل الخريف.

أوصى الاجتماع بضرورة تكامل الجهود وصياغة خطة موحدة لقطاع الصحة للاستعداد والاستجابة لطوارئ الخريف، وصياغة تصور لتحديث خريطة الخدمات الصحية وخدمات المياه والإصحاح بالمؤسسات الصحية إضافة إلى مصادر المياه.

تحوطات بالشمالية

في الولاية الشمالية بحث وزير التنمية العمرانية المكلف ورئيس غرفة طوارئ الخريف محمد سيد أحمد فقيري، جاهزية الدفاع المدني بالولاية الترتيبات والاستعداد لخريف العام الحالي، وأكد ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي كوارث العام الماضي، وتحديد الحاجات المطلوبة للوقاية من أخطار الخريف بالولاية.

من جانبه شدد مدير قوات الدفاع المدني بالولاية اللواء أنور محمد علي، على ضرورة الاستفادة من تجارب كوارث الأعوام السابقة في مجابهة توقعات الخريف الحالي.

تآكل ودمار

في السياق يؤكد المتخصص في مجال التخطيط العمراني والبنية التحتية بابكر حسين بابكر، أن كثيراً من أوجه الخلل في التخطيط العمراني لا تزال قائمة وتحتاج إلى معالجات شاملة، منبهاً إلى ضرورة الاستفادة من مأساة الحرب في حل أزمة تخطيط شبكات تصريف مصارف المياه بمعالجات أساسية في البنية التحتية وتصحيح أخطاء تاريخية.

وأشار بابكر إلى أن الظروف الاقتصادية والمالية والبنية التحتية المدمرة بسبب الحرب، تمثل تحديات تعوق اجتهادات السلطات في اتخاذ الإجراءات التحوطية المناسبة لمواجهة موسم الأمطار الحالي، فضلاً عن أن الواقع المشوه الموروث لا يزال حاضراً.

وأضاف بابكر، “الواقع لم يتغير بل ازداد سوءاً بعد الحرب، إذ لم تتم عملية إعادة توطين سكان مناطق الهشاشة أو نظافة وتطهير المجاري أو تجهيز وصيانة وتوفير مضخات الطوارئ، وإقامة التروس الواقية من السيول والفيضانات، كما أن القليل الذي كان متوافراً طاله التخريب والتدمير بسبب الحرب”.

أحياء مهجورة

وتابع المتحدث، “بالنظر إلى حجم الدمار الكبير الذي طال البنية العمرانية بالخرطوم خاصة وتراكم الأنقاض في كل مكان والانتشار الكبير للنفايات والجثث والمقابر غير معلومة الأمكنة حتى الآن، يتوقع أن يكون لموسم الإمطار هذا العام أثار بيئية وصحية وخيمة نتيجة تجمع وتراكم برك المياه.

وتوقع بابكر أن ترتفع هذا العام نسبة الدمار في القطاع السكني داخل الأحياء نتيجة وجود أعداد كبيرة من المنازل التي هجرها أصحابها، مما يجعلها من دون متابعة للتصريف ويعرضها لخطر الانهيار الكلي أو الجزئي، فضلاً عن أن كثيراً من الأحياء الفارغة من السكان ستفتقد أيضاً إلى عمليات متابعة تصريف مياه الأمطار والسيول التي كان يقوم بها المواطنون داخل مناطقهم.

مخلفات وأخطار

على نحو متصل حذر الناشط البيئي جلال مبارك، من أن الدمار الكبير الذي خلفته الحرب سيفاقم من الآثار الخطرة لخريف هذا العام على الوضع البيئي والصحي، نظراً إلى الانتشار الكثيف لمخلفات المعارك من ركام وجثث مدفونة بصورة سطحية في الميادين العامة وسط الأحياء وأماكن أخرى غير معلومة، كما أن وجود كثير من الأوبئة والأمراض المنتشرة ومن بينها مرض الكوليرا.

كارثة محدقة

وأشار مبارك إلى أن الوضع ينذر بكارثة حقيقية في حال لم تتعامل السلطات المتخصصة والمواطنون معاً بحرص ونشاط أكبر في مجابهة تلك التحديات والأخطار التي تهدد حياة آلاف المواطنين العائدين إلى منازلهم حديثاً ويفتقرون البيئة الصحية في ظل غياب خدمات الكهرباء والمياه.

وشدد الناشط، على الأهمية القصوى لتفعيل نظام الإنذار المبكر والتدخل السريع مع ضمان الاستجابة العاجلة والتعامل الشامل مع الأخطار المتوقعة من كافة جوانبها الصحية والبيئية، تفادياً للمضاعفات الكبيرة المتوقعة ولمنع تفاقم الوضع إلى كارثة أكبر في ظل الانهيار الذي يشهده الوضع الصحي في البلاد.

فيضانات متوقعة

على صعيد ذي صلة يرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، أن هناك احتمالاً كبيراً بحدوث فيضانات على جانبي النيل الأزرق ونهر النيل الرئيس عند مدينة الخرطوم بنهاية أغسطس (آب) المقبل، كما كان يحدث قبل بناء سد النهضة الإثيوبي.

وأضاف شراقي، أن “بحيرة السد شبه ممتلئة حالياً” نظراً إلى وجود نحو 55 مليار متر مكعب من المياه بها، وعدم استخدامها خلال الأشهر الماضية، وهو “استثناء في هذا العام نظراً إلى فشل تشغيل توربينات السد”، وفق قوله.

وتوقع أستاذ الموارد المائية، في منشور على صفحته بمنصة “فيسبوك” حدوث كامل الفيضان الطبيعي في نهاية يوليو الجاري، تزامناً مع زيادة المتوقعة في معدل هطول الأمطار هذا العام، وفقاً لنماذج مركز “إيغاد” للتنبؤات المناخية والتطبيقات للأشهر المقبلة.

توالي الكوارث

ومنذ أعوام قبل الحرب الراهنة يتعرض السودان لكوارث سنوية مدمرة من السيول والفيضانات، كانت أكبر الكوارث قبل أربعة أعوام في عام 2021 التي أدت إلى إعلان البلاد منطقة كوارث لدرء آثار السيول والفيضانات وفرض حال الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، بعدما تسببت بخسائر بشرية أودت بـ120 شخصاً إلى جانب أضرار مادية لأكثر من نصف مليون نسمة، وانهيار كلي وجزئي لما يقارب 160 ألف منزل.

“نقلاً عن صحيفة اندبندنت عربية الصادرة اليوم الأربعاء”

 

 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.