دورة
اعلان ماس فيتالس

عين علي الحقيقة.. “الرزيقات”، هل صاروا بعبعا للإسلاميين يا تري؟!

 

بقلم: الجميل الفاضل

يتوهم الإسلاميون كعادتهم دائما أن قبيلة الرزيقات -عدوهم اللدود الآن ـ باتت أمام خيارين لا ثالث لهما.

خيار قال به جاهلهم:

“أبيدوا أهل الضعين عن بكرة أبيهم، لا تدعوا منهم كبيراً ولا صغيراً، شيخاً أو امرأة أو طفلاً”.

فيما قال من يظن به عقل منهم: “الغوا نظارتهم، انزعوا اراضيهم، افقروا تجارهم، جففوا مواردهم، الغوا دوائرهم الانتخابية، احرموهم من كافة حقوقهم الإنسانية الأساسية: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقبل ذلك بالطبع حقهم في الحياة الذي يتربصون.

قال قائل قيل أن إسمه هشام ما معناه: “قلصوا نفوذهم لكي يصبحوا اصغر من الآخرين، عاقبوهم باقصي ما يمكن حتي لا تقوم لهم قائمة، اكسروا شوكتهم في كل مجال ومكان، وإلا فارموهم كالقمامة خارج الحدود”.

أي خيال مريض هذا الذي يتحدث عن ستة ملايين شخص، يمثلون أكثر من ثمن أهل السودان، ينتمون لأكبر قبيلة في البلاد بعد انفصال جنوبه لذات الأسباب عنه.

علي أية حال، فإن سؤال الراهن يضعنا اليوم أمام تحدي ان تكون هذه البلاد للجميع بلا فرز أو استثناء، أو لا تكون بالمرة، وهو سؤال ما عاد يحتمل في الواقع نصف جواب.

لقد امتلأت الصحاري بالموت، وتحولت مياه النيل إلى برك حمراء تطفو علي سطحها الأشلاء الممزقة.

تركنا الأطفال للعطش، والنساء للسبي، والرجال للموت؟.

تركنا من تركنا في مخيمات اللجوء وأرصفة التشرد، كالأيتام في موائد اللئام.

أستطيع أن أقول: لقد فقدنا البوصلة، فضاع منا الاتجاه، وسقطت من بين ايدينا المعاني، فانهارت القيم.

لقد ضاع حلمنا، فغرقنا في أوحال انقساماتنا المصنوعة من جنون هذه الهويات المقفلة.

فإن قولي هذا، حق وضرورة، لا أقوله لأنني أكره أحداً، لكنني أقوله كي أستطيع أن أحب الجميع، لأنني من دون ان أقول مثل هذا القول أفقد معنى وجودي كإنسان.

إنه آخر ما تبقى لي من واجب، لا يجب علي أن أضيعه.

إننا نواجه الان أصعب امتحان لأنسانيتنا، واكبر تحدٍ لجدارتنا بالحياة.

إذ لا معني البتة لأن ننقب في قبور التاريخ بحثا عن وقود لمعارك يومنا التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد.

فقد ابتلينا بتاريخ لا نعرف كيف نتعامل مع مآسيه ووحشيته.

إن هذه البلاد تختزن طي طبقاتها آلام وخيبات الإنسان السوداني الذي حاول شقّ الصخر لثلاثة مرات فاشلة، بحثا عن طعم حياة لها معني، فعاد صفر اليدين بل ولم يحظي حتي بخفي حنين.

فمن واجبنا المباشر في هذه اللحظة الحاضرة، أن نواجه بشجاعة هذه الكارثة التي صنعناها بايدينا، لا أن نكتفي بالندب وتحميل مغباتها لغيرنا وسوانا.

ولعل السؤال الآن هو، هل السودانيون خانهم العالم، أم خانتهم نخبهم العاجزة، فأسلموا أمرهم لغيرهم، وتركوا ثراوتهم ومواردهم، إما نهبا لأطماع الدول أو لقوى الفساد والاستبداد والفشل.

المهم فان كان ليس من الموت بد، فمن الغباء أن نموت غفلا ومجانا، بلا ثمن ومن غير معني.

إذ علينا أن نبحث الآن لموتنا هذا عن ثمن وكذلك عن معنى، لكي نجعل لما تبقي لنا من حياة علي بؤسها، قيمة وهدفا أسمي، عوض ما يعترينا من جنون هذه الهويات المتشظية المتطايرة بيننا وبنا في كل فضاء.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.