
النساء في الحرب.. رافعة الأسر في زمن الهدم
الخرطوم – مبارك علي
عقب اندلاع الحرب في أبريل 2023، تضرر السودان اقتصادياً واجتماعياً بشكل عميق وغير مسبوق، وفي هذا الظرف أظهرت المرأة السودانية قدرة استثنائية على تحمل العبء الاقتصادي للأسر والمجتمعات، وحوّلت تحديات الحرب إلى فرص للابتكار.
لم تستسلم النساء السودانيات للظروف القاهرة؛ خرجن من بيوتهن نحو العمل، وأصبحن مصدر الدخل الرئيسي لأسر عديدة عبر مهن مثل بيع الشاي والمأكولات في الأسواق والشوارع، وسط ظروف صعبة.
جهودهن تلك أخرجت أسرهن من دائرة الجوع، ووفّرن الحد الأدنى من المنصرفات اليومية دون رأس مال يُذكر، إلى أن انقشعت ظلمة الضيق. فالمرأة السودانية لم تكن ضحية فحسب، بل أصبحت عمودًا أساسيًا لبقاء المجتمعات أثناء الحرب.
قصة “أم موزة” نموذجًا للتحدي
الحاجة أم موزة، تجاوزت الخمسين عامًا، اضطرت بفعل تصاعد الصراع في أمدرمان القديمة إلى النزوح إلى ولاية النيل الأبيض، فقدت زوجها الذي انقطعت أخباره، بعد ما ذهب قبل بداية الحرب بساعة إلى مكان عمله بالسوق المركزي بالخرطوم .
في مركز إيواء داخل مدرسة، بدأت تقول لـ”الغد السوداني” : “رغم المعاناة النفسية والبدنية والنزوح، لم أنهار. بل استجمعت قواي وعزيمتي للتأقلم على الحياة الصعبة بلا أدنى مصروفات” .
واستفادت من المواد الغذائية المقدمة عبر منظمات الإغاثة، واستخدمت جزءًا من الدقيق والزيت والسكر لصنع خبائز بسيطة، ما فتح أمامها نافذة أمل وركيزة اقتصادية.
مع الأيام، نجحت في شراء فرن كهربائي، وزادت الإنتاج بعد ارتفاع الإقبال على الحلويات. ووصلت لمرحلة اكتفاء ذاتي، وتوجهت لتدريب فتيات داخل مركز الإيواء على صناعة بلح الشام وخبائز أخرى، لينتجن ويبعنها في الأسواق. وكشفت أنها ستواصل تدريبهن حتى يصبحن مستقلات؛ مدربات ومنتجات في آن واحد.
أرقام وظروف مأساوية:
تشير الأمم المتحدة والإحصاءات إلى وجود نحو 11–12 مليون نازح داخلي بسبب الحرب، منهم أكثر من 5.8 مليون امرأة وطفل . كما تكشف تقارير عن ارتفاع في حالات العنف ضد المرأة، إذ يعاني نحو 6.7 مليون شخص من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتُسجل آلاف حالات اغتصاب وتحرش في محيط النزوح .
رؤية خبيرة اجتماعيات: د. أسماء علي
وصفَت د. أسماء علي، خبيرة علم الاجتماع، دور المرأة في تخفيف مشاق الحرب بأنه “عظيم”، مشيرة إلى أن المرأة السودانية برهنت على قوة إرادتها رغم المحن.
لافتة إلى أن ضغوط الحرب تعود بجذورها إلى فترات سابقة (ثورة 2019، بجانب جائحة كورونا، بالإضافة إلى الانقلاب العسكري)، مما أكسب النساء قدرة على البقاء .
وقالت لـ”الغد السوداني” : خلال الحرب الجارية حاليًا ، اتجهت كثير من النساء لمبادرات ذاتية ، ما منحهن ثقة ومكن الأسرة والمجتمع من استعادة التوازن.
واشارت إلى أن المرأة السودانية صمدت أمام عواصف الظروف، وخلقت من المعاناة أملًا: ارتادت الأعمال اليدوية، وأعالت أسرًا، وساهمت في التغيير الواقعي للظروف . كما أوصت المرأة بعد توقف الحرب بعدم التوقف عن النشاط المهني، بل تطوير الأفكار والمهن لإعادة السودان إلى وضعه الطبيعي والمساهمة في التنمية.
تجربة شابة نازحة:
سهى إبراهيم، متطوعة نازحة بولاية الجزيرة، دمَجت فتيات في أعمال تطوعية لدعم أسر نازحة وترميم المجتمعات المضيفة.
وأوضحت أن غياب الرجل بسبب فقده أو اللجوء، حوّل الأدوار التقليدية، فجبرت النساء على إدارة الموارد وتوفير الدخل من خلال أعمال مثل الخبز، الخياطة، والحرف البلدية.
وأضافت أن المرأة السودانية: اكتسبت مهارات تنظيم وتنسيق من خلال التعاونيات والمبادرات المحلية. وأصبحت مسؤولة عن إدارة المنزل والنفقات كالغذاء والتعليم والصحة، بما يثبت كفاءتها في التخطيط والعمل تحت الضغط.
وقالت لـ”الغد السوداني” : المرأة لم تعد مجرد مستهلكة للمساعدات، بل أصبحت جزءًا فاعلًا في الإنتاج، عبر الأسواق والريف، محافظةً على نسيج المجتمع ومنع انجرافه نحو الهاوية.
وختمت حديثها:”النساء السودانيات ليست فقط رافعة اقتصادية للأسرة، بل قائدة تغيير مجتمعي في زمن الحرب. تحتاج إلى استمرار دعمها في المجالات المهنية والاقتصادية والتنمويّة، كي لا يتوقف عملها بعد الحرب، بل يُعاد توجيهه لمساهمتها في إعادة إعمار السودان وبناء مستقبل مستقر” .