“عين على الحقيقة”.. السودان خارج طاولته؟!
بقلم: الجميل الفاضل
بينما تُعقد الاجتماعات وتُرسم الخرائط وتُصاغ المواقف بشأن السودان في العواصم الكبرى، تغيب الأطراف السودانية عن المشهد.
مؤتمر واشنطن المرتقب، الذي تنظّمه وزارة الخارجية الأمريكية بمشاركة وزراء خارجية الرباعية “أمريكا، السعودية، الإمارات ومصر”، يعكس واقعا جديدا، يكشف عن المنطق الذي سيتم التعامل به مع السودان في هذه المرحلة، لا باعتباره دولة في أزمة داخلية، بل كأرض مفتوحة على صراع جيوسياسي إقليمي بالغ الخطورة..
بيد أن السبب لا يعود فقط لغياب التوافق الوطني، بل لأن صوت الدولة ذاتها قد أصبح مكسورًا ومجزأً.
عموما فإن هذا الفراغ السيادي أتاح للقوى الإقليمية والدولية أن تعتبر نفسها “الوصي المؤقت” بحكم الأمر الواقع، إلى حين استعادة السودان كوطن لعافيته المفقودة.
وللحقيقة فان تقدير دوائر صنع القرار في واشنطن وحلفائها، لا يعتبر السودان مجرد ملف سياسي، بل ثغرة أمنية في خاصرة البحر الأحمر.
الأمر الذي ارتقي بمسألة تأمين الممرات البحرية، وضبط التوازنات الإقليمية، وتفكيك أي مشروع إيراني بديل في السودان، الي صدارة الاهتمام الدولي.
فعلي أية حال، أتصور أن خلف الأبواب المغلقة، لا يُتوقّع أن يناقش المؤتمر فقط وقف إطلاق النار أو تقديم مساعدات إنسانية، بل سيركز على إعادة هيكلة النفوذ داخل البلاد للحيلولة دون تحوّله إلى منصة للخصوم.
وبالطبع فإن مؤتمر الأزمة السودانية، هو مؤتمر تحاصره غيوم كثيفة، إختار منظموه أن يناقشوا شأن السودان وما حوله بعيدا عن سمع وأبصار أهله.
ليتركوا ظلال الشك والريبة تتحدث عن حسابات خفية وراء انعقاد مثل هذا المؤتمر في واشنطن عاصمة القرار، الذي سيناقشه أربعة وزراء خارجية فقط خلف أبواب موصدة، أول ما يجمعهم حتي قبل العمل علي إطفاء حريق السودان، هو قطع خيوط شبكة نسجتها إيران حول البحر الأحمر يخشي أن تمتد من صنعاء الي بورتسودان.
فالسودان في نظر “الرباعية” ليس مجرد بلد يعاني ويلات حرب أهليه، بل هو قطعة حيوية جدا في رقعة الشطرنج الاقليمية.
إذ أن ظلال الشبح الإيراني الذي باتت صوره تنعكس علي سطح هذا الممر المائي الحيوي المهم، لابد أنها ستطارد أيضا وزراء الرباعية في عمق قاعات العاصمة الأمريكية.
خاصة وأن حرب ال12 يوما قد كشفت عن عزم الولايات المتحدة وحلفائها علي تقليص قدرات ايران ووكلائها في الإقليم.
هذه الحرب التي شهدت ضربات إسرائيلية بدعم أمريكي علي منشآت إيرانية، قد تحيل السودان نفسه الي ساحة مغرية لم تحكم طهران الي الآن قبضتها عليها بالكامل، لتصبح من ثم هدفا مثاليا لمنع إيران من تعويض خسائرها الباهظة التي منيت بها في مناطق نفوذ أخري.
ذلك قبل أن يلتفت الجميع الي ضرورة خلق مسار سياسي جديد خاضع لرقابة إقليمية ودولية، يُدار بشكل غير مباشر ربما من الخارج.
فالسودان اليوم، في نظر من يتحكّم باللعبة، ليس “وطنا يبحث عن خلاص”، بل هو موقع جغرافي بات قابلا للشد والجذب والاستقطاب في صراعات المصالح الدولية المتقاطعة.
المهم فقد يظل صوت الداخل محجوبًا، إلى أن يبرز شريك سوداني قادر على فرض نفسه كشريك لا كمتغيّر تابع لهذه المعادلة الدولية.