اعلان ماس فيتالس

“تقشير البصلة”، فخٌ خفي أوقع الحركة الإسلامية في لعبة الكبار (1)

بقلم: الجميل الفاضل

لهذه الحرب وجهان، فهي لم تكن مجرد حرب بين الجيش والدعم السريع، بل هي “فخٌ استراتيجي” صُمم بعناية لتقشير طبقات نظام عميق بنته الحركة الإسلامية على مدى عقود كالبصلة التي تُقشر طبقة تلو أخرى.

فقد كشف هذا الفخ هشاشة الحركة، وفكك اسطورة جيشها المؤدلج، ثم فتح الباب لقوى إقليمية ودولية، لتحصد الثمار.

لكن، بينما تقف إدارة دونالد ترامب على أعتاب حصاد هذه الثمرة، يبقى السؤال: هل نضجت بالكامل، أم لا تزال تحتاج إلى مزيد من النار في المعمل؟.

حلم السيطرة:

على أية حال، منذ سبعينيات القرن الماضي بدأت الحركة الإسلامية، بقيادة حسن الترابي، حلمها الكبير.

في برنامج “شاهد على العصر”، همس الترابي بثقة: “بدأنا نزرع بذورنا في الجيش”.

استغلت الحركة المصالحة مع جعفر نميري (1977) لتجنيد ضباط وتدريب كوادر، كما يروي المحبوب عبد السلام في كتابه “الحركة الإسلامية: دائرة الضوء وخيوط الظلام”.

بحلول 30 يونيو 1989، تحقق الحلم بانقلاب عسكري جعل الجيش أداة طيعة.

الإمساك بالمفاصل:

عمر البشير، في وثائقيات العربية، قال: “الإخوان يمسكون بكل مفاصل الدولة”.

عندما طلب الترابي من ضباطه الاستيلاء على السلطة، أجابوا: “سمعًا وطاعة”، دون نقاش.

كتائب الدفاع الشعبي المتناسلة، إلى جانب شبكات اقتصادية واسعة، جعلت الحركة عصية على الإزالة.

حتى ثورة ديسمبر المجيدة، التي أطاحت بالبشير، لم تهز هذا النظام العميق.

د. حسن مكي أكد أن الإسلاميين يحتلون 80% من الوظائف الحكومية، والسفير خالد موسى زاد: “الحكم دونهم مستحيل”.

لكن هذا القلعة الحصينة كانت على موعد مع فخ لم تتوقعه.

الإطاري هو الطعم:

في ديسمبر 2022، وُضع الطعم على الطاولة: “الإتفاق الإطاري”، برعاية الرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات).

كان مطلبًا بسيطًا لكنه قاتل: دمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال بضع سنين، وتسليم السلطة للمدنيين.

بالنسبة للحركة الإسلامية، كان هذا بمثابة سكين موجه إلى قلب نظامها العميق.

الجيش هو درعها، وسيطرتها عليه هو سر بقائها.

رد فعلها كان متوقعًا كمن يسير نحو مصيدة: أنس عمر، القيادي الإسلامي، هدد بـ”دفن الإطاري ومن وقّعوا عليه”.

في إفطارات رمضان 2023، عبأت الحركة قواتها، وخططت لإثارة الفوضى بـ60 عربة لاندكروزر لاستهداف الدعم السريع بالمدينة الرياضية.

بيد أن هذه النار التي أشعلتها كانت هي بداية سقوطها في الفخ.

تقشير البصلة:

فمع اندلاع الحرب، بدأت طبقات البصلة تتساقط.

الحركة الإسلامية، التي توقعت حسم الصراع في ساعات أو أسابيع، كما عكست تقديرات كوادرها، اصطدمت بواقع قاسٍ.

قوات الدعم السريع، سيطرت على الخرطوم ودارفور ومناطق بوسط البلاد، واستولت علي فرق والوية ومعسكرات كاملة.

أمين حسن عمر أقر بخسارة آلاف المقاتلين من كتائب “البراء بن مالك” و”البرق الخاطف” و”الفرقان”، بينما حاول عبد الحي يوسف التباهي ب”المقاومة الشعبية”، التي وصفها بـ”اسم الدلع” للجهاد، مدعيًا أنها، وليس الجيش، من حقق الانتصارات.

لكن الحقيقة كانت أقسى: خسائر بشرية فادحة، انهيار لشبكات تهريب الذهب وشركات الجيش، وعزلة سياسية.

شرارة التصعيد:

الاتفاق الإطاري أشعل شرارة التصعيد، قوات الدعم السريع صمدت فاطالت عمر المواجهة.

بحلول يوليو 2025، امتدت الحرب إلى عامها الثالث، مخلفة 10 ملايين نازح، تضخمًا اقتصاديًا، وخرابًا.

الحركة، التي كانت تتفاخر بنظامها العميق، وجدت نفسها عارية، تقاوم لكنها مكسورة.

العقوبات تُضيق الخناق:

الشهر الماضي، الولايات المتحدة أحكمت قبضتها على الفخ بعقوبات جديدة على حكومة بورتسودان، متهمة إياها باستخدام غاز الكلور في 2024، كما ذكرت “نيويورك تايمز”.

هذه العقوبات، جزء من استراتيجية الضغط الأقصى، قيدت الصادرات والتمويل، مما زاد من خنق الجيش والحركة الإسلامية.

الحكومة ردت بنفي الاتهامات، واصفة إياها بـ”تدخل سياسي”، لكن الضرر وقع.

قطع العلاقات مع الإمارات في مايو 2025، بسبب مزاعم دعمها لقوات الدعم السريع، عزل الحركة أكثر.

العقوبات استهدفت أيضًا إيران، التي حاولت دعم الجيش بطائرات مسيرة وأنفاق تحت الأرض، مما أضاف طبقة جديدة إلى تقشير البصلة.

إسرائيل في المشهد:

سكين تُهدد ذراع إيران بالبتر هي أيضا في خضم هذا الفخ، حيث دخلت إسرائيل المشهد قلقة من عودة السودان الي السرب الإيراني في المنطقة.

كثفت تل أبيب تهديداتها في يونيو 2025 بـ”بتر ذراع إيران” في السودان.

اكتشاف أنفاق تحت الأرض ورادارات “طلع الفجر-1” إيرانية الصنع على ساحل البحر الأحمر أثار المخاوف.

هجمات إسرائيل على منشآت إيران النووية (نطنز، فوردو، أصفهان)، بدعم أمريكي، أضعفت طهران، مما قلل من قدرتها على دعم الجيش.

لكن رحلات “قشم فارس إير” إلى بورتسودان أظهرت أن إيران لم تستسلم بعد.

الإمارات، تشارك إسرائيل معاداة الإسلام السياسي ونفوذ إيران.

الحصاد على الأعتاب:

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، بدأت إدارته، عبر ماركو روبيو ومسعد بولس، محاولات لحصاد ثمار هذا الفخ. روبيو، في جلسة التوقيع علي إتفاق الكنغو ورواندا أشار إلي السودان، بولس أعلن عن مؤتمر رباعي خلال الشهر الحالي، بمشاركة الإمارات، مصر، والسعودية، لفرض تسوية تخدم النفوذ الأمريكي.

الثمرة ناضجة أم بحاجة إلى نار؟

يبدو أن الثمرة ناضجة جزئيًا، فالحركة الإسلامية، التي كانت تتباهى بنظامها العميق، خسرت الآلاف من مقاتليها، مواردها الاقتصادية تبعثرت، وشرعيتها تلاشت.

الجيش المؤدلج أصبح هشًا، والعقوبات الأمريكية وتهديدات إسرائيل قيدتا إيران.

الإمارات وإسرائيل، بتنسيقهما الخفي، أطالتا الحرب لاستنزاف الحركة.

لكن الحركة لا زالت تقاوم عبر “المقاومة الشعبية”، إيران رغم الضربات مستمرة في دعم الجيش.

تركيز ترامب على غزة وسوريا، وعدم تعيين مبعوث خاص للسودان، يشيران إلى أن المعمل قد يحتاج إلى مزيد من النار لإنضاج الثمرة.

وجهان للحرب:

من التفاؤل إلى الخيبة هناك وجهان للحرب: تفاؤل البدايات، حيث توقعت الحركة النصر في ساعات، وخيبة النهايات، مع حرب امتدت إلى عامها الثالث.

الفخ، بطعمه الإطاري، فتح الباب لتقشير البصلة هكذا طبقةً تلو أخرى.

ترامب يقف الآن على أعتاب الحصاد، لكن السؤال يبقى: هل سيقطف هذه الثمرة بيديه، أم انها لا زالت بحاجة إلى مزيد وقت في مطبخ العملية؟.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.