اعلان ماس فيتالس

سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟ مؤتمر “نيالا”، هل هو بداية لمخاض “السودان الجديد”؟!

بقلم : الجميل الفاضل

حظي الصحفيون أمس في “نيالا” بتغطية غريبة ونادرة، إذ لم يكن هذا الموقف الملحمي الاستثنائي مجرد مؤتمر صحفي، تبرق فيه أضواء الكاميرات من حين إلى آخر كما جرت العادة، يتهيأ فيه الصحفيون لرفع الأصابع طلبًا للإذن بالسؤال.

قاعة لا تطالها النيران:

فقد قال رجال البروتوكول القلقون للدكتور علاء نقد، الناطق الرسمي باسم تحالف “تأسيس”: تريث قليلًا حتى تصب الطائرات جحيمها، وتنهي المسيرات مهامها في دك الأمكنة، لكي نحصل علي قاعة خالية لا تطالها النيران.

فسحة في مكان الانفجار:

قال الذين يعلمون بواطن الأمور لرجال الصحافة: تمهلوا حتى نجد لكم فسحة في مكان الانفجار، بين دانة ودانة، بين طلقة وأخرى، لكي نتيح لأسئلتكم فرصة على شارع الزلزال.

على أية حال، هو مؤتمر صحفي كانت درجة المجازفة فيه عالية للغاية، كان مجرد حضوره يحتاج إلى شجاعة قصوى، فضلاً عن تصويره أو الكلام فيه.

ناقل الصوت هنا لم ينقل كلمات فحسب، بل كان ينقل نبض القلوب وقوة ثباتها وتماسكها، كما يقيس عزم الرجال وأطوال أعناقهم المشرئبة نحو أفق بعيد.

كان ناقل الصوت الفريد ينقل ترجمة فورية للغة الإرادة ولغة التصريح، لا التلميح والإشارة.

رفع الكذب إلى مرتبة الطرب:

كان الدكتور “علاء نقد” بطل هذه اللحظة أو الملحمة بلا منازع.

ففي مثل هذه المؤتمرات، درج غيره من الساسة على أن يجعلوا فن الخطابة مقياسًا للكفاءة العالية، في رفع الكذب إلى مرتبة الطرب، وأن يكون الصدق في مؤتمراتهم الصحفية مجرد ذلة لسان، تخلدها ذاكرة الأيام لتعيدها الوسائط إلى الحياة كلما نسي الناس شيئًا أو تناسوه.

ذلة لسان الكباشي:

ولعل أبلغ مثال قريب اعتراف الجنرال الكباشي، بعد مذبحة قيادة الجيش، والجرح لا يزال طريًا حينها، قائلًا بكل تجريد وبساطة: “لقد حدث ما حدث”.

إنها أشهر ذلة لسان أجراها الله على لسان الجنرال شمس الدين، لم تغادر أذهان الناس إلى يومنا هذا.

الميزان يتبدل داخل العقول:

إذن، فما هي طبيعة هذا الصراع المتنامي يومًا بعد يوم؟ وهل هو في الحقيقة تمرد على دولة لا توجد مبررات موضوعية للتمرد عليها؟ ثم هل هذا الصراع تعبير عن طموح جنرالات يتصارعون حول السلطة كما يظن البعض؟

الواقع أن ميزان مثل هذا النوع من الحروب لا يتبدل على الأرض، بل يتبدل في المقام الأول داخل العقول.

ذلك هو السؤال:

أمس فقط، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” مقالًا لكاتبها سمير عطا الله بعنوان “ذلك هو السؤال”،

قال فيه: “كلما وقع العالم في محنة رهيبة كالتي نمر بها، شعر الفرد الضعيف، والأعزل، أن السؤال الجوهري لا يتغير: أي منهج أخلاقي يحميك؟ أي دولة تؤمن لك الأمن والكرامة؟ وسؤال أهم: أين أنت من هذا الصراع؟ ما هي القيم التي ترفعها في وجه الآخر؟ ما هو المسموح في نظام حياتك، وما هو العدل، وما هو النبل والحق؟ وإلى أي جانب أنت؟ وهل أنت من دولة تبرر القتل والشر والجريمة؟ فإذن، ما هو مجتمعك وكيف تقضي أمورك بين الناس؟

“تفكيك السودان القديم:

المهم، فإن ما يحدث في السودان الآن أكبر من مجرد حرب، إذ لا سماء في الداخل تمطر حلًا، ولا أرض من الخارج ربما تنبت تسوية مستوردة.

فالمشكلة السودانية بلغت ذروة لن تنفع معها اليوم حلول جاهزة مستجلبة من الخارج.

حيث سبر الدكتور نقد غور هذه الأزمة، قائلًا في هذا المؤتمر الصحفي نفسه: إن ما يُسمى بالدولة السودانية لم تستوف شروط البناء الوطني الحقيقي، بجمعها مكونات متفاوتة بشكل تاريخي ومتباينة بشكل ثقافي.

وناعيًا على النخب الحاكمة تهربها من مخاطبة جذور المشكلة، المتمثلة في أزمة الهوية الوطنية والمركزية المفرطة، التي راكمت الظلم والتهميش السياسي والاقتصادي والثقافي.

بناء سودان جديد:

مشيرًا إلى أن ميثاق “تأسيس” و”الدستور الانتقالي” هما الوثيقتان اللتان قدمتا لأول مرة إجابات جريئة وواقعية، ورؤية لبناء سودان جديد، علماني، ديمقراطي، لا مركزي، وموحد طوعيًا، يقوم على قيم الحرية والعدالة والمساواة.

مؤكدًا أن تحالفه ليس مرحليًا، وأنه يعمل على تفكيك السودان القديم والتخلص منه مرة واحدة وللأبد.

على أية حال، فكما قال نيلسون مانديلا: “قد يبدو الأمر مستحيلًا دائمًا حتى يتحقق”.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.