اعلان ماس فيتالس

كلنا فاسدون.. لا أستثني أحدًا

بقلم : د. أحمد خضر

إلى كل من تجاوز الأربعين من أبناء هذا الوطن،

نحن مدينون باعتذارٍ صريحٍ لأبنائنا، جيل المستقبل.

هل كُتب عليهم أن يرثوا هذا الخراب؟ أن يتحملوا وزر وطنٍ ممزق لم يكونوا طرفًا في تمزيقه؟

ماذا فعلوا ليستحقوا أن نترك لهم بلداً تتناهشه الكراهية، وتمزقه الحروب، وتحكمه الفوضى؟

لقد ورثنا نحن من آبائنا وطنًا جميلًا، غنيًا، قويًا، متماسكًا، متقدمًا في السياسة والاقتصاد والرياضة. وطنًا كان له مكانته في المحافل الدولية، وصدارة مستحقة في محيطه الإقليمي. كنا بلسمًا للجراح، ومقصدًا للمثقفين والسياح، وكان لنا رموز ترفع اسمنا في الأدب والطب والسياسة والرياضة.

فماذا فعلنا؟ نحن من فرّط في تلك الأمانة.

نعم، نحن المسؤولون.

لماذا سكتنا حين كان يجب أن نتكلم؟

لماذا تصالحنا مع الفساد؟

لماذا تماهينا مع الطغاة؟

من شارك في المنظومة الفاسدة يتحمّل الوزر الأكبر، لكننا جميعًا مسؤولون.

سكتنا على الظلم، ورضينا بالتمييز، وتغاضينا عن العنصرية، ولم نعارض بما يكفي.

كيف سمحنا لطاغية أن يحكم 16 عامًا، وآخر أن يحكم 30 عامًا؟

كيف صمتنا على فساد العلماء المقرّبين من السلطان؟

كيف سمحنا بتخريب مؤسساتنا الوطنية؟

كيف انهارت الخدمة المدنية أمام أعيننا؟

أين كنا حين تفككت اللحمة الوطنية؟ أين كانت أصواتنا عندما احترق الجنوب وتفجر دارفور؟

هل كان الصمت شجاعة؟ أم تواطؤ؟

وأنا ما بجيب سيرة الجنوب عبثًا، لكن كيف سكتنا عن انفصال الجنوب فقط كي يبقى طاغية في السلطة؟ كيف مرّ هذا الحدث الجلل كأنه تفصيل في معركة سياسية؟ هل كان الانفصال قدرًا، أم نتيجة مباشرة لصمتنا وتقاعسنا وخنوعنا؟

سكتنا عن دارفور الأولى، وسكتنا عن دارفور الثانية.

كأنما الكارثة لم تكن جزءًا من وطننا.

الحكام لم يكونوا وحدهم، والطغاة ليسوا وحدهم، بل كلنا فاسدون.

هل كُتب علينا أن نخوض حربًا كي نتطهّر من ذنوبنا؟

وما ذنب أبنائنا؟

هل هذا جلد للذات؟ ربما.

لكنّه اعتذار مستحق.

ألم نغنّ للطغاة؟ ألم نرقص لهم؟

ألم نهاجر؟ نعم، هاجرنا وهربنا، وتركنا من يقاوم وحده.

القيادات السياسية والنقابية رحلت إلى بلاد الصقيع، وغيرهم إلى بلاد البترول.

ألم نرَ تدمير الدولة وخدمة الناس؟ ألم نعمل مع هوامير الأنظمة العسكرية؟

ألم نتحوّل، نحن، إلى أدوات في آلة الفساد؟

هل قاومنا كما يجب؟

هل واجهنا المليشيات؟ أم باركنا زعماءها إذا وافقونا سياسيًا؟

هل كانت جرائم الإبادة في دارفور أولوية لدينا؟

أين العدالة التي رفعنا شعاراتها؟ لماذا صمتنا حين وجب أن نطالب بها؟

ضحى أبناؤنا من أجل الحرية، فكيف ارتضينا نحن التصالح مع القتلة؟

كيف تحوّل بعض المثقفين والإعلاميين والأكاديميين إلى أبواق للحرب في طرفيها؟

أعتذر لأبنائي، وأقولها

“كلنا فاسدون.. لا أستثني أحدًا.”

كلنا مسؤولون: السياسيون الذين استسلموا، والمثقفون الذين صمتوا، والأكاديميون الذين تواطؤوا، والمناضلون الذين تعبوا، والمهاجرون الذين غادروا، وحتى الذين لم يملكوا حولًا ولا قوة.

لم نبذل ما يكفي. لم نسلمكم الوطن كما استلمناه.

ولن يُغني الاعتذار.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.