عشية الإعلان عن جائزة نوبل للسلام.. متطوعون يروون قصصا مأساوية

عشية الإعلان عن جائزة نوبل للسلام في أوسلو، وسط أجواء قاتمة خلفتها الحروب، روى متطوعون في “غرف الطوارئ” قصصًا مأساوية عن معاناتهم جراء آثار النزاع، وكيف تدخلوا لإنقاذ آلاف الأرواح، مسلطين الضوء على معاناة النساء والأطفال الذين يعيشون تحت وابل من الرصاص وفي ظل أوضاع أمنية واقتصادية معقدة.

تقول المتطوعة نسيبة حيدر لـ«الغد السوداني»: “إن النساء يتعرضن لأسوأ أنواع العنف اللفظي والجسدي يوميًا، وكثيرات لم يستطعن التحمل أو النجاة”، ونقل المتطوعون قصصًا عن أناس فقدوا كل شيء في الخرطوم ودارفور ومناطق تشهد اشتباكات مسلحة، ولكنهم ما زالوا يحاولون التمسك بالأمل.

تسببت الحرب الدائرة حاليًا في السودان في تشريد الآلاف من السكان ما بين نازحين ولاجئين، بجانب انهيار مؤسسات الدولة وتدهور الخدمات الأساسية أو انقطاعها في أجزاء واسعة من البلاد. ومع خروج عدد من المنظمات الإنسانية، تضاعفت معاناة المواطنين الذين يعيشون في دوامة من الفقر والجوع نتيجة الأوضاع المعقدة في مناطق الاشتباكات.

وفي خضم استمرار الحرب وتفاقم التحديات، برز اسم “غرف الطوارئ” التي لعبت دورًا مهمًا في سد فراغ المنظمات الإنسانية، من خلال تقديم المساعدات للمتضررين في المناطق المتأثرة بالنزاع، خاصة في الخرطوم ودارفور، بالإضافة إلى المساعدة في إجلاء الناس من مناطق الخطر.

تُمنح جائزة نوبل للسلام يوم الجمعة في أوسلو، وسط أجواء مليئة بالحزن بسبب الحروب، مما يبرز أسماء أفراد ومنظمات معنية بمعالجة آثار النزاعات. ومن أبرز المرشحين لنيل الجائزة المرموقة: محكمة العدل الدولية، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكالة الأونروا، المحكمة الجنائية الدولية، ومبادرة غرف الطوارئ في السودان.

“همنا توفير كل لقمة يحتاجها جائع”

يشرح الشباب المتطوعون في الغرف الأوضاع المأساوية التي يعيشها الناس والظروف الأمنية المعقدة التي يواجهونها من طرفي الصراع، فيما توفي عدد منهم جراء الإجهاد والضغوط النفسية التي تعصف بهم. يقول المتطوع محمد سيف لـ«الغد السوداني»: “تعود فكرة إنشاء غرفة طوارئ جنوب الحزام إلى أغسطس 2020 خلال الفيضانات التي حاصرت مناطق عديدة في السودان وولاية الخرطوم. كانت الغرفة بمثابة استجابة إنسانية من مجموعة من الشباب الفاعلين بالمنطقة، من لجان المقاومة والخدمات. ومع اندلاع حرب أبريل في السودان، أُعيد إحياء الفكرة بأسس وقنوات جديدة تواكب حجم الكارثة”.

وأشار سيف إلى أن الدعم في بداية عمل الغرفة كان يعتمد في معظمه على تبرعات من المواطنين داخل وخارج البلاد، حتى تم بناء قنوات اتصال مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية. وأضاف أن الدعم يختلف من منظمة لأخرى، بحسب اختصاصها في توفير الغذاء أو الدواء، وأحيانًا يكون الدعم ماديًا أو عبر مواد عينية مثل المستلزمات الطبية لمستشفى بشائر والمراكز الصحية الأخرى في المنطقة. وأوضح سيف: “كل لقمة يحصل عليها جائع، وكل دواء يحصل عليه مريض محتاج، هو الشغل الشاغل للشباب المتطوعين”.

بشأن الصعوبات التي تواجه المتطوعين، يقول سيف: “تتمثل الصعوبات في الوضع الأمني المعقد بالمنطقة، يليه الوضع الاقتصادي، حيث فقد الكثير من الشباب مصادر دخلهم السابقة وأصبحوا مضطرين للتكيف مع الظروف الجديدة. كما تواجه النساء المتطوعات في المراكز الصحية والمطابخ صعوبات مركبة لذات الأسباب، لكن وقع هذه الصعوبات يكون أشد وطأة عليهن”.

ويضيف: “القصص الإنسانية كثيرة، ودائمًا يكون الصحن الفارغ من المطبخ والمريض الذي لا يجد علاجه قصة مؤلمة. أود أن أشارككم حادثة إنسانية حدثت الأسبوع الماضي في مطبخ الأزهري شرق، حيث كانت هناك امرأة ستينية تقف وحيدة حاملة ماعونها منذ الخامسة صباحًا في انتظار وجبة المطبخ لإطعام أولادها”.

لعبت غرف الطوارئ في السودان دورًا هامًا في التخفيف من حدة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، التي اندلعت بعد اشتعال الحرب بين الجنرالين. ولا يثق الجيش ولا قوات الدعم السريع في هذه المجموعات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها تضم أشخاصًا كانوا أعضاء في “لجان المقاومة” التي قادت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية خلال الانتفاضة التي أطاحت بعمر البشير في عام 2019.

مساحات خاصة بالنساء والأطفال

فيما يتعلق بمعاناة النساء جراء الحرب، تقول المتطوعة نسيبة حيدر لـ«الغد السوداني»: “تضاعفت معاناة النساء خلال فترة الحرب عشرات المرات. هناك الكثير من العنف بجميع أنواعه: جسدي، لفظي، جنسي، بالإضافة إلى التهجير القسري، الفقر، والحرمان من الخدمات. كما تعاني النساء من الإهمال في الصحة الإنجابية، الاضطرابات النفسية، وعدم استقرار الوضع الأمني، حيث لم تستطع كثيرات منهن التحمل أو النجاة”.

وأضافت: “في البداية كانت النساء العاملات في غرف الطوارئ متخوفات من الوضع الأمني، خاصة بسبب عدم قدرتهن على الحركة. ولهذا جاءت فكرة إنشاء غرفة طوارئ نسوية للاستجابة السريعة لقضايا النساء، وتوفير احتياجاتهن، إضافة إلى التخفيف من الضغط النفسي والمعاناة”.

وتابعت: “مهما تحدثنا عن النساء المتطوعات في غرف الطوارئ، لن نوفيهن حقهن، فقد عملن في ظروف صعبة ومعقدة تحت وابل من الرصاص والخطر. كانت كل الخدمات إنسانية، ونجحنا في تخفيف معاناة الأطفال والنساء، وتقديم الدعم النفسي لهم، ومحاولة إعادتهم إلى حياتهم الطبيعية ولو بنسبة بسيطة”.

وأوضحت أن تلك الظروف دفعتهم لإطلاق مساحات خاصة للنساء والأطفال للتعافي من الصدمات النفسية وتراوما الحرب، إلى جانب توفير الفوط الصحية للنساء والفتيات.

5 مصاعب يواجهها المتطوعون

يرى المتطوع الحارث التعايشي في إفادته لـ«الغد السوداني» أن استجابة الشباب للتطوع في غرف الطوارئ منذ اندلاع الحرب كانت نقطة التحول الأولى في تخفيف معاناة الناس. وعدّد 5 مصاعب يواجهها المتطوعون، أبرزها المصاعب الأمنية والاقتصادية.

وقال إن الحرب شكلت عبئًا كبيرًا على كاهل المواطنين، خاصةً في مناطق النزاع، ورغم المعاناة والمصاعب التي يتعرض لها المتطوعون، فإنهم مستمرون بنفس الروح الأولى في تقديم الخدمات ومساعدة المحتاجين.

وتقول الأمم المتحدة إن فرق المتطوعين هذه تضم عاملين طبيين، مهندسين، وغيرهم من خبراء الطوارئ في جميع أنحاء البلاد يعملون على تلبية احتياجات ملايين المدنيين. ويواجه المتطوعون تحديات بيروقراطية شديدة، لكنهم يعملون على تجاوزها.

هنريك أوردال، مدير معهد أبحاث السلام في أوسلو، قال في تصريحات نقلتها مجلة “تايم”: “نظرًا لأن عام 2024 يصادف الذكرى الخامسة والسبعين لاتفاقيات جنيف، المعنية بحماية المدنيين أثناء الحرب، فإن منح جائزة السلام هذا العام لمبادرة إنسانية مثل غرف الطوارئ السودانية سيسلط الضوء على الأهمية الكبرى لوصول المساعدات المنقذة للحياة في أوقات الصراع”.