السودان : أزمة الاقتصاد تراوح مكانها.. زيادة الدولار الجمركي وانتشار النقود المزيفة
تراوح أزمة الاقتصاد السوداني مكانها بعد أكثر من عام على الحرب، بينما يرسم مراقبون سيناريوهات متشائمة للأزمة الاقتصادية وما يترتيب عليها خلال الفترة المقبلة، إن لم تتوقف الحرب بين الجيش والدعم السريع أو لم يتحصل السودان على منح أو دعومات خارجية من شانها تعزيز موقف الأمن الغذائي وإنقاذ الملايين من شبح الإنهيار الاقتصادي التام الذى بدا ملامحه تظهر على الحكومة القائمة وعلى الشعب بعد أن توقفت كل ماكينات الإنتاج والصادرات والواردات، تداخلات فيها عدة أسباب من بينها عدم قدرة الحكومة على إدارة دفة اقتصاد الحرب وفقدان الدولة لرسوم عبور نفط الجنوب وزيادة عمليات تهريب الذهب وتوقف الزراعة مع مواصلة السوق السوداء للعملة فى التحكم على مفاصل الدولة الاقتصادية وانتشار النقود المزيفة.
اثارت مواقف الحكومة السودانية بشان التجارة وزيادة سعر الدولار الجمركى مجددا إلى 1250 جنيها حالة جديدة من عدم الاستقرار فى الاسواق ومخاوف واسعة حول تاثيره على الاقتصاد المحلى وعودة زيادة اسعار صرف الدولار مقابل الجنيه السودانى مرة أخرى بعد أن ثبت لأيام في حدود 2750 جنيه.
وفي مطلع يناير الماضي قامت الحكومة السودانية بزيادة جديدة على سعر الدولار الجمركي من 650 إلى 950 جنيهاً، وذلك عقب إعلانها عن موازنة عام 2024 مباشرة، في محاولة لمواجهة العجز الكبير في الإيرادات لتمويل النفقات نتيجة الظروف الأمنية الحالية.
عد اقتصاديون تحدثوا لـ«الغد السوداني» الزيادات التى تقوم بها وزارة المالية بغير المبررة وتعكس فشل الجهات المعنية في إدارة الأزمة متخوفين من تأثير الإجراءات المتبعة على أسعار السلع الاستهلاكية في ظل “الزلزال” الذي ضرب الإنتاج بصورة عامة وإعتماد المواطن على تحويلات المغتربين وارتفاع نسبة الفقر ومعدلات البطالة.
ويقول الاقتصادي بابكر الزين لـ«الغد السوداني» إن الأوضاع تدهورت بصورة غير مسبوقة نتيجة استمرار الحرب وخروج مناطق الإنتاج كليا عن الدورة الاقتصادية وما تبقى منها عاد إلى الزراعة التقليدية للاكتفاء الذاتي، وبين أن ما نسبته 80 % من المناطق الزراعية خرجت من دائرة الإنتاج فى ظل توقف صادر الثروة الحيوانية الذى تمثل ولايتى دارفور وكردفان 60 % منه. وأضاف الزين أن عمليات التهريب نشطت بصورة كبيرة فى كل انحاء السودان خاصة سلع “الدقيق والوقود والذهب وكافة انواع المعادن”، وتابع: إن لم تتوقف الحرب سيتحول السودان إلى منطقة خطرة للعصابات المسلحة والتجارة غير الشرعية بما فيها تجارة البشر وهذا من المؤكد سيؤثر على كافة دول الجوار ويمتد أثره إلى بقية الدول.
الحكومة بدورها اصبحت عاجزة عن الحلول فى ظل تمدد الحرب حيث يقول وزير المالية جبريل ابراهيم إن بلاده لم تتحصل على عون خارجى رغم ظروف الحرب وتداعياتها على موارد البلاد ومعاش المواطن مشيرًا إلى ضعف الاستجابة الدولية لمعالجة الأزمة التى تفاقمت. ووفقا لبيات الجهاز المركزى للاحصاء التى نشرت لأول مرة منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع فى ابريل من العام 2023م قفزت معدلات التضخم إلى نحو 136.67 % خلال النصف الاول من عام 2024م مقارنة بـ 63.3% أخر معدل للتضخم تم نشرة فبراير من العام 2023م.
تداعيات الحرب والأزمة الاقتصادية أثرت بشكل مباشر على المواطنين، حيث يقول المواطن عز الدين سليمان لـ«الغد السوداني»تأثر السودانيون نازحين ولاجئ وحتى الذين يعيشون في الولايات الأمنة سلبا بمجريات الحرب وتمددها وتوقف عجلة الإنتاج بجانب إنقطاع الرواتب مقابل ارتفاع الأسعار بشكل يومى.
في السياق قال الموظف مجدى عثمان لـ«الغد السوداني» إنه لم يتقاضا راتبة منذ أشهر ما دفعة وأفراد أسرتة لتناول وجبة وأحدة خلال اليوم بسبب شح الموارد وارتفاع الأسعار الناتجة عن القرارات غير المدروسة من قبل الحكومة.
كثير من التجار اغلقوا أبواب متاجرهم لعدم مقدرتهم على مجارة السوق والركود الذى حدث فى الأونة الأخيرة. يرى التاجر مصطفى الماحى فى حديثه لـ«الغد السوداني»: الاسعار تتضاعف 3 مراة خلال اليوم الواحد وهذه خسارة بالطبع للتاجر علاوة على فرض المحليات لرسوم وضرائب مجافية للواقع لذلك قرر كثيرون إغلاق متاجرهم لتجنب فقدان رأس المال.
ولاتزال أزمة الجنيه السوداني مستمرة بل هنالك اسعار متعددة للدولار فى السوق الموازية المتحكمة فى الاقتصاد ولاتقتصر أزمته على شح العملات الاجنبية بل اصبحت العملات المزيفة تشكل عبئا حيث خرج كثير من المستوردين من السوق بسبب سعر الصرف.
فى ولايات دارفور تعالت الشكاوى من انتشار العملات المزيفة من فئة الـ 500 وفئة الـ 1000 جنية في الأسواق خاصة في الولايات الأربعة والتي تخضع لسيطرة الدعم السريع.
ويؤكد محجوب التوم أحد السكان المحليين بولاية جنوب دارفور لـ«الغد السوداني» إنتشار الأوراق النقدية المزيفة في الأسواق، مشيرًا إلى أن معظم مواطني الولاية لايملكون الخبرة التي تمكنهم من التفريق بين العملة المزيفة والرسمية، وأنهم مجبرين على التعامل مع العملة السائلة في الأسواق بعدما أغلقت البنوك أبوابها جراء الحرب.
ويتزامن انتشار النقود المزيفة في دارفور مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية بصورة تفوق مقدرة السكان المتأثرين بالحرب، وبات الإقليم على شفاء المجاعة الشاملة، كما يشهد شح في السيولة النقدية.
وتشهد المناطق التى تسيطر عليها قوات الدعم السريع خاصة ولايتى الجزيرة والخرطوم وولاية سنار انعدم في رغيف الخبز وارتفاعًا في اسعار السلع الاستهلاكية الضرورية حيث وصل سعر كيلو السكر وصل إلى 5 الآف جنيه وكيلو العدس إلى 9 الآف جنيه، في حين انعدمت سلع أخرى مثل الشاى واللبن والبن لتوقف الاستيراد والإنتاج.
وفي بعض المناطق التي لم تصل إليها قوات الدعم السريع بولايات مثل الجزيرة عاود المزارعون فيها للعمل في الحقول “زراعة تقليدي” رغم كلفة الإنتاج الباهظة جراء انعدام الوقود وإغلاق الطرق والرسوم التى تفرض على طول الطريق. فيما قال مواطنون إن الدعم السريع تستخدم بعض الأراضي الزراعية في ولاية الجزيرة لفتح معسكرات التجنيد لحشد المقاتلين إلى جبهات جديدة.